واحد منهما ولا يكون محرما لهما فلم يحرمهما، وإنما قال: "الورع ترك النكاح " فدل على أن كل واحدة مباحة على الانفراد.
قال: ولأنا إذا أبحنا له أن يتزوج بالأولى، فإذا طلقها كان له أن يتزوج بالأخرى؛ لأن في كل واحدة منهما الأصل الإباحة والشك طارئ، فكان ما آمكن في الأولى فهو مثله في الثانية، فجاز له أن يتزوج بها، وهذا يبطل بمن صلى في مسألة الأواني الثلاثة بواحد منهم صلاة الصبح لم يجز له أن يصلي خلف الآخر في صلاة الظهر؛ لأنه لما صلى خلف إمام الصبح فقد قطع بأن صاحبه الذي معه خلف إمام الصبح نجس فكذلك هاهنا.
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز نكاح ابنة واحد منهما؛ لأن أحدهما أبوه قطعا، وإنما تجهل عينه فصار كما لو اختلطت أخته بأجنبية، ولم يعلم عينها لا يجوز له التزويج بواحدة منهما.
قال أبو حامد: والصحيح عندي هذا، وقد أومئ إليه في "الأم"، وقال القاضي الطبري: هذا لا يصح، والصحيح: الوجه الأول، والفرق بين ما استدل به أبو حامد وبين مسألتنا أن الأخت إذا اختلطت بالأجنبية، فإن الأخت أصلها التحريم والأجنبية أصلها الإباحة فغلب التحريم، وكذلك لو اختلطت محرمة بناء محصورات ق 167 ب لم يجز التزوج بواحدة منهن لهذا المعنى.
وأما هاهنا أصل كل واحدة منهما الإباحة ولم تتعين المحرمة منهما؛ فكان له أن يتزوج بآيتهما شاء، يدل على هذا الفرق أن الإناءين إذا كان ماء والآخر بولا، وأشكل الماء من البول فإنه يتركهما جميعا، وإذا كان أحدهما ماء طاهرا والآخر نجسا تحرى واستعمل الطاهر؛ لأن أصل كل واحد منهما الطهارة والنجاسة طارئة، فإذا لم يتعين الذي طرأت عليه النجاسة جاز له استعماله، فإن قيل: أوجبتم التحريم في الإناءين ولم تسوغوا أن يستعمل أيهما شاء من غير اجتهاد ومسوغتهم هاهنا أن يتزوج بأيهما شاء فما الفرق بينهما؟ قلنا: ليس على الأخت ولا على الأجنبية أمارات من تغير الماء وإضراب الإناء أو انكشاف الغطاء، أو أثر الكلب أو غير ذلك فأوجبنا التحري في أماراته الدالة عليه.
وقال في والحاوي: فيه وجه رابع لا يحرم عليه بنات واحد منهما لانقطاع الأبوة، ويجوز له أن يجمع بين ابنة كل واحد منهما، وإنما يمنع من تزويجها ورعا لا تحريما وهو ظاهر كلام الشافعي وهذا غريب بعيد، وقال الإمام الجويني: صاحب المنهاج قال كثير من أصحابنا إذا استيقن الرجل أن له في سكة محصورة الأهل أختا من الرضاعة، ولم يعلم عينها لم يجز له أن يتزوج من نساء ملك السكة أحدا، ولو استيقن ذلك في بلدة كبيرة غير محصورة الأهل له أن يتزوج امرأة من نساء تلك البلدة وفرقوا