وأما حق المقتول، فأحد أمرين يرجع فيها إلى خيار وليه في القصاص أو الدية، ولا يجوز أن يجمع بين الأمرين.
وروي أن مقيس بن صبابة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطالبه بدم أخيه وقد قتله بعض الأنصار، فحكم له بالدية، فأخذها ثم عدا على قاتل أخيه وعاد إلى مكة مرتداً.
وأنشأ يقول:
شفي النفس أن قد بات بالقاع مسنداً
... تضرج ثوبيه دماء الأخادع
ثأرت به قهراً وحملت عقله
... سراة بني النجار أرباب فارع
حللت به وترى وأدركت ثؤرتي
... وكنت عن الإسلام أول راجع
فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح صبراً.
وهو أحد الستة الذين أمر بقتلهم، وإن تعلقوا بأستار الكعبة.
مسألة
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وإذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد المسلمين، أو الأحرار المعاهدين، أو العبيد منهم، قتل من كل صنف مكافئ في دمه منهم الذكر قتل بالذكر وبالأنثى، والأنثى إذا قتلت بالأنثى وبالذكر".
قال في الحاوي: والمكافأة معتبر في وجوب القصاص على تفصيل أقسامها، وهي منقسمة ثلاثة أقسام: مكافأة في الأجناس، ومكافأة الأنساب، ومكافأة في الأحكام.
فأما مكافأة الأجناس: فهو الذكور بالذكور والإناث بالإناث، فهو غير معتبر عند الفقهاء بأسرهم، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين فيجوز أن يقتل الذكر بالذكر وبالأنثى، وتقتل الأنثى بالأنثى وبالذكر. وحكي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: لا يقتل الذكر بالأنثى إلا أن يؤخذ منها نصف الدية ثم يقتل بها. وبه قال عطاء استدلالاً بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأُنثَى بِالأُنثَى} البقرة: 178 فلما لم يتكافأ الأحرار والعبيد لم يتكافأ الذكور والإناث، ولأن تفاضل الديات تمنع من التماثل في القصاص كما يمنع تفاضل القيم في المتلفات من التساوي في الغرم.
ودليلنا قول الله تعالى: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} المائدة: 45 فعم من غير تخصيص.
وروى أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلك كتب كتاباً إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن، وأنفذه مع عمرو بن حزم، وكان فيه: "يقتل الذكر