قال في الحاوي: لا يقتل الحر بعبده وبعبد غيره.
وقال أبو حنيفة: يقتل الحر بعبد غيره، ولا يقتل بعبد نفسه استدلالاً بعموم قول الله تعالى: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْس} المائدة: 45 ورواية علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه قال: المسلمون بتكافؤ دماؤهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم فاعتبر المكافأة بالإسلام قد استوى الحر والعبد فيه فوجب أن يتكافأ دمهما، ويجري القود بينهما، ومن الاعتبار أن كل من قتل بالحر قتل به الحر كالحر، ولأن الرق مؤثر في ثبوت الحجر، وما ثبت به الحجر يمنع من استحقاق القود على من ارتفع عنه الحجر كالجنون والصغر، ولأنه لما جاز أن يقتل به الحر دفعاً جاز أن يقتل به قوداً.
ودليلنا قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} البقرة: 178 فاقتضى هذا الظاهر أن لا يقتل حر بعبد.
وروى سليمان بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتل حر بعبد".
ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهذا نص لا يسوغ خلافه وروى إسرائيل عن جابر عن عامر عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "من السنة ألا يقتل مسلم بكافر، ومن السنة ألا يقتل حر بعبد يعني: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقوم مقام الرواية عنه، وليس له في الصحابة مخالف، فصار مع السنة إجماعاً، ومن الاعتبار أن حرمة النفس أغلظ من حرمة الأطراف، فلما لم يجب القود بينهما في الأطراف، فأولى أن لا يجري بينهما في النفس.
وتحريره قياساً أن كل شخصين امتنع القود بينهما في الأطراف امتنع في النفس كالوالد مع ولده طرداً، وكالحربي عكساً، ولأن كل قود سقط بين المسلم والكافر المستأمن سقط بين الحر والعبد كالأطراف.
فإن قيل: الأطراف تعتبر فيها المماثلة لأنه لا تؤخذ السليمة بالشلاء المريضة، ولا تؤخذ الأيدي بيد واحدة، والمماثلة غير معتبرة في النفوس لقتل الصحيح بالمريض، والجماعة بالواحد، فكذلك جرى القود بين الحر والعبد في النفس، وسقط في الأطراف.
قيل: هما عندنا سواء، والمماثلة المعتبرة فيهما واحدة، لأننا نقطع الأيدي بيد واحدة، وإن خالفتمونا فيه ونقتل الصحيح بالمريض كما نقطع اليد الصحيحة بالعليلة، ولا نقطعها باليد الشلاء كما لا يقتل الحي بالميت، لأن الشلاء ميتة.
فإن قيل: فقد فرقتم بين قطع الشلاء في وجوب الأرض فيهما، وبين استهلاك الميت في سقوط الأرش فيه.