أحدهما: أن يخاط في لحم ميت فلا تأثير لهذه الخياطة، لأنها في اللحم الميت لا تؤلم، ولا تسري، فيصير الجارح منفرداً بقتله بسراية جرحه فوجبت عليه القصاص في النفس، فإن عفا عنه فجميع الدية مغلظة حالة في ماله، وعليه الكفارة.
والثاني: أن يخيط في لحم حي فالخياطة جرح، والذي عليه جمهور أصحابنا: أنه يجري عليه حكم العمد المحض وعندي أنه يجري عليه حكم عمد الخطأ، لأنه قصد به حفظ الحياة فأفضى به إلى التلف، فصار عمداً في الفعل خطأ في القصد.
فإن قيل: فبهذا فالجارح قد صار قاتلاً شريكاً لعمد الخطأ، فسقط عنه القود، وتجب عليه نصف الدية حالة مغلظة مع الكفارة، وإن قيل بما عليه الجمهور أن الخياطة عمد محض روعي من تولي الخياطة أو إبرتها فإنه لا يخلو من أحد أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون المجروح تولاها أو أمر بها.
والثاني: أن يكون أبو المجروح تولاها.
والثالث: أن يكون الإمام تولاها أو أمر بها.
والرابع: أن يكون أجنبي تولاها أو أمر بها.
فأما القسم الأول: وهو أن يتولاها المجروح، ففي وجوب القود على الجارح قولان:
أحدهما: عليه القود في النفس إذا اعتبر في القود خروج النفس عن عمد محض.
والثاني: لا قود عليه إذا اعتبر فيه خروج النفس عن مضمون، لأن عمد المجروح غير مضمون، وكذلك الحكم لو تولاها من أمره الجارح بها، ولا يكون المأمور ضامناً، لأنه فعله عن أمر من يملك التصرف في نفسه.
فصل:
وأما القسم الثاني: وهو أن يكون أبو المجروح تولاها فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون المجروح غير مولى عليه لبلوغه وعقله فيكون الأب ضامناً لنصف الدية، ولا قود عليه، لأنه لا قود للابن على أبيه، وعلى الجارح القود في النفس قولاً واحداً، لأنه شارك في عمد مضمون، فإن عفا عن القود فعليه نصف الدية، لأنه أحد القاتلين، وعليه الكفارة لأن جرحه صار نفساً.
والثاني: أن يكون المجروح مولى عليه بصغر أو جنون.
ففي ضمان الأب لها وجهان:
أحدهما: يضمنها تغليباً لحسن النظر بمقصود ولايته، فعلى هذا في وجوب القود على الجارح قولان:
أحدهما: عليه القود، إذا روعى مشاركته في عمد غير مضمون.