والثاني: أن حدوث الزيادة في المضمون ملتزمة كزيادة المغصوب، فلما ذكرنا من هذين وقع الفرق في اعتبار القود بحال الجناية واعتبار الدية بعد استقرارها بالسراية، وهكذا لو جرح الحر عبداً فأعتق ثم مات لم يجب عليه القود، لأنه جرحه وهو عبد، ووجبت عليه دين حر لاستقرارها فيه وهو حر.
فصل:
فأما إذا خرج المسلم مرتداً فأسلم ثم مات لم يجب فيه قود ولا دية، فشابه النصراني إذا أسلم في سقوط القود اعتباراً بحال الجناية، وخالفه في الدية في ترك الاعتبار بها عند استقرارها بالسراية. والفرق بينهما: أن نفس النصراني مضمونة بحقن دمه، فضمن ما حدث بالإسلام من زيادة ديته، ونفس المرتد هدر غير مضمونة، فصار ما حدث من سرايتها في الإسلام هدراً غير مضمون كالسارق إذا سرى إلى نفسه القطع لم يضمن، لأن قطعه غير مضمون وكالحربي إذا قطعت يده فأسلم ثم مات لم يضمن بقود، ولا دية، لأنه عند الجناية غير مضمون بقود ولا دية.
فأما إذا جرح مقراً بالزنا وهو محصن فرجع عن إقراره ثم مات ففي ضمان نفسه وجهان حكاهما ابن أبي هريرة:
أحدهما: لا يضمن بقود، ولا دية لإباحة نفسه وقت الجناية كالمرتد.
والثاني: يضمن ديته وإن جرى عليه حكم الإباحة وقت الجناية.
والفرق بينه وبين المرتد أن المرتد مباح الدم إلا أن يتوب من ردته، والزاني محظور النفس إلا أن يقيم إقراره.
مسألة:
قال الشافعي: "ولو أرسل سهماً فلم يقع على نصراني حتى اسلم، أو على عبد فلم يقع حتى اعتق لم يكن عليه قصاص، لأن تخلية السهم كانت ولا قصاص، وفيه دية حر مسلم والكفارة، وكذلك المرتد يسلم قبل وقوع السهم لتحول الحال قبل وقوع الرمية".
قال في الحاوي: جمع الشافعي في إرسال السهم بين ثلاث مسائل، وضم إليها أصحابنا رابعة تظهر باستمرار القياس:
فإحداهما: مسلم أرسل سهمه على نصراني، فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات.
والثانية: في حر أرسل سهمه على عبد فاعتق، ثم وصل السهم إليه فمات، فلا قود فيها على المسلم والحر اعتباراً بإرسال السهم، لأن المسلم أرسله على نصراني، والحر أرسله على عبد، وعليهما دية مسلم، ودية حر، اعتباراً بوصول السهم.