وإن كان المأمور مكرهًا على القتل بأن قال له الإمام: إن لم تقتله قتلتك، فالقود على الإمام الآمر واجب.
وفي وجوبه على المأمور قولان:
أحدهما: واجب كالإمام يقاد منهما جميعًا، فإن عفا عنهما اشتركا في الدية، وكان على كل واحد منهما كفارة.
وبه قال زفر بن الهذيل:
والثاني: إنه لا قود على المأمور والمكره، ويختص القود بالإمام المكره واختلف أصحابنا في تعليل هذا القول في سقوط القود عن المأمور فذهب البغداديون بأسرهم إلى أن العلة فيه أن الإكراه شبهة تدرأ بها الحدود.
فعلى هذا التعليل يجب عليه إذا سقط القود عنه نصف الدية؛ لأنه أحد القائلين، وعليه الكفارة. وذهب البصريون منهم: إلى أن العلة فيه أن الإكراه إلجاء وضرورة تنقل حكم الفعل عن المباشر إلى الآمر كالحاكم إذا ألجأه شهود الزور إلى القتل.
فعلى هذا التعليل تسقط عنه الدية والكفارة كما تسقط عنه القود، وتكون الدية كلها على الإمام المكره وهذا قول أبي حنيفة ومحمد.
وقال أبو يوسف: لا قود على الإمام الآمر، ولا على المأمور استدلالًا بأن أمر الإمام سبب ومباشرة المأمور إلجاء، فسقط حكم السبب بحدوث المباشرة، وسقط حكم المباشرة بوجود الإلجاء، فسقط القود عنهما.
وهذا خطأ لقول الله تعالى: {ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} الإسراء:33 فلو سقط القود عنهما مع وجود الظلم في القتل لبطل سلطانه، ولما انزجر عن القتل ظالم، ولأن إجماع الصحابة يمنع من قول أبي يوسف.
وهو ما روي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه ولي رجلًا اليمن، فأتاه رجل منهما مقطوع اليد، فقال: إن خليفتك ظلمني فقطعني. فقال أبو بكر: لو علمت أنه ظلمك لقطعته.
فدل على مؤاخذة الوالي بظلمه فيما أمر به.
وقد أنفذ عمر رضي الله تعالى عنه رسولًا إلى امرأة أرهبها فأجهضت ما في بطنها فزعًا فالتزم عمر ديته.
وروي أن رجلين شهدا عند علي بن أبي طالب عليه السلام على رجل بالسرقة فقطعه بشهادتهما، ثم عادا، وقالا: غلطنا، والسارق هو هذا فرد شهادتهما، ولم يقطع الثاني، وقال: "لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما" فجعل الجهل لهما بالشهادة موجبًا لإضافة الحكم إليهما وأخذها بموجبها، ووافقه على ذلك من عاصره فصار مع ما تقدم