مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وعلى المتغلب باللصوصية والمأمور القود إذا كان قاهرًا للمأمور".
قال في الحاوي: وجملة ذلك أن من أمر غيره بقتل نفس ظلمًا بغير حق لا يخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون إمامًا ملتزم الطاعة.
والثاني: أن يكون متغلبًا نافذ الأمر.
والثالث: أن يساوي المأمور، لا يعلو عليه بطاعة ولا قدرة.
فأما القسم الأول، وهو أن يكون الآمر بالقتل إمامًا ملتزم الطاعة. فلا يخلو حال المأمور في قتله من أحد أمرين:
إما أن يجهل حال المقتول ولا يعلم أنه مظلوم، ويعتقد أن الإمام لا يقتل إلا بحق فلا قود على المأمور، ولا دية، ولا كفارة، لأن طاعة الإمام واجبة عليه لقول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} النساء:59 وعلى الإمام القود، لأن أمره إذا كان ملتزم الطاعة يقوم مقام فعله لنفوذه، وحدوث الفعل عنه، وجرى المأمور معه جري الآلة.
قال الشافعي: وهكذا قتل الأئمة ويستحب للمأمور أن يكفر لما تولاه من المباشرة.
والحالة الثانية: أن يكون المأمور عالمًا بأنه مظلوم، يقتل بغير حق فبهذا المأمور حالتان:
إحداهما: أن يقتله مختارًا.
والثانية: مكرهًا.
فإن قتله مختارًا غير مكره فهو القاتل دون الإمام، لأن طاعة الإمام لا تلزم في المعاصي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله، فلا طاعة لي عليكم ويكون الإمام آثمًا، ويتمكن المأمور من القتل عاصيًا، وإن لم يلزمه قود ولا دية ولا كفارة.
وهو ظاهر من مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه.
وذهب بعض أصحابه إلى وجوب القود على الإمام بمجرد أمره، وإن لم يكن منه إكراه للزوم طاعته، ونفوذ أمره، وجعل القود واجبًا على الآمر والمأمور معًا، ولهذا القول وجه في اعتبار المصلحة، وحسم عدوان الأئمة، وإن كان في القياس ضعيفًا.