فلو ضرب يده فشلت فلا قصاص فيها، وعليه ديتها؛ لأن الشلل لا يمكن في مثله القصاص، فلو شجه بحجر فأوضح رأسه، وسرى إلى نفسه فمات فإن كان مثل الحجر يوضح ويعقل غالبًا وجبه عليه القصاص في الموضحة، والقود في النفس.
وإن كان مثله يوضح غالبًا ولا يقتل في الغالب وجب فيه القصاص في الموضحة لأنها عمد محض، ولم يجب عليه القود في النفس، ووجبت الدية، لأنه عمد يشبه الخطأ، وهذا إذا حدث منه القتل في الحال من غير سراية. فأما إذا سرت الموضحة إلى نفسه فالقصاص فيها وفي النفس واجب بحدوث القتل عن جرح يوجب القصاص فوجب أن تكون سرايته موجبة للقصاص اعتبارًا بموجبها.
فصل:
فأما إذا سقاه سمًا فمات فالسم على ستة أقسام:
أحدها: أن يكون قاتلًا في الغالب منفردًا ومع غيره، فهذا يوجب القود، ويكون هذا السم من آلة القتل كالسيف.
والثاني: أن يكون هذا السم قاتلًا بانفراده، ولا يقتل إذا كسر بغيره، فيجب به القود إن أفرده، ولا يجب به القود إن كسره.
والثالث: أن يقتل إذا خلط يغيره، ولا يقتل إذا أفرده، فلا يجب به القود إذا أفرد، ويجب به القود إذا خلط بما يقتل معه.
والرابع: أن يكون مما يقتل العضو الضعيف، ولا يقتل الجلد القوي فلا يجب به القود في الجلد القوي، ويجب به القود في العضو الضعيف.
والخامس: أن يكون مما يقتل في بعض الفصول في السنة، ولا يقتل في بعضها فيجب به القود في الفصل القاتل، ولا يجب في غير الفصل القاتل.
والسادس: أن يكون مما يقتل تارة، ولا يقتل أخرى فلا يجب به القود، وتجب فيه الدية، ويكون كعمد الخطأ، فإن اختلف الساقي للسم وولى المسقي في السم.
فقال الساقي: ليس بقاتل على ما مضى من أقسام ما لا يقتل.
وقال ولي المسقي: هو قاتل على ما مضى من أقسام ما يقتل، فإن كان لواحد منهما بينة على ما ادعاه عمل عليها، وإن عدما البينة فالقول قول الساقي مع يمينه، لأن الأصل براءة ذمته من قود وعقل.
فلو اتفقا على أنه قاتل وقال الساقي: لم أعلم أنه قاتل ففيه قولان: أحدهما: لا قود عليه إذا حلف أنه لم يعلم، لأنه شبهة محتملة، وعليه الدية كالخاطئ.
والثاني: عليه القود، لأنه قد كان يقدر على استعلام حاله فجرى عليه حكم من علم به.
فإذا تقرر ما وصفنا من أقسام السم القاتل وأحكامه في وجوب القود وإسقاطه فالكلام بعده في صفة وصول السم إلى المسموم، وهو على ضربين: