السبب إلجاء كالشهود سقط حكم السبب بوجود المباشرة، كما لو حفر رجل بئرًا فدفع رجل فيها إنسانًا فمات كان القود على الدافع دون الحافر، ولأن هذا القاتل قد يصل إلى القتل تارة بالإمساك وتارة بالحبس، ثم ثبت أنه لو قتله بعد الحبس لم يقتل الحابس، كذلك إذا قتله بعد الإمساك لم يقتل الممسك، ولأن حكم الممسك مخالف لحكم المباشر في الزنا، لأنه لو أمسك امرأة حتى زنا بها رجل، وجب الحد على الزاني دون الممسك. ووجب أن يكون حكم الممسك في القتل بمثابته في وجوب القود على القاتل دون الممسك. ولو جاز أن يساويه في القود جاز أن يساويه في الحد.
ولأن الإمساك غير مضمون لو انفرد فكان أولى أن لا يضمن إذا تعقبه القتل.
ولأن ما لا يضمن خطاؤه لم يضمن عمده كالضرب بما لا يقبل.
فأما الآية فقد قال: {فَلا يُسْرِف فِّي القَتْلِ} الإسراء:33 والسرف أن يتجاوز القاتل إلى من ليس بقاتل.
وقول عمر رضي الله تعالى عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به محمول على اشتراكهم في قتله، لأن المعاونة هي التساوي في الفعل وبه يجاب عن قياسهم على الاشتراك في القتل، ثم المعنى في المشركين في القتل أن كل واحد منهما يضمن إذا انفرد، فضمن إذا شارك والممسك لا يضمن إذا انفرد فلم يضمن إذا تعقبه قاتل.
وأما إمساك العبد فإنما يضمن به العبد، لأنه مضمون باليد إذا انفردت، والمقتول غير مضمون باليد، وإنما يضمن بالجناية، ولو كان الإمساك جاريًا مجرى مباشرة القتل لوجوب إذا أمسك المجوس شاة فذبحها مسلم أن لا تؤكل، كما لو أشترك في ذبحها مجوس ومسلم، وفي إجماعهم على جواز أكلها دليل على الفرق بين الممسك والمشارك.
وما استدلوا به من الشاهدين فلا يصح لأنهما ألجأ الحاكم إلى القتل، ولم يكن من الممسك إلجاء فافترقا.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو ضربه بما الأغلب أنه يقطع عضوًا أو يُوضح رأسًا فعليه القود".
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن القود يجب في القتل بالمحدود والمثقل، كذلك القصاص في الجراح والأطراف يجب في المحدد والمثقل، فلو رمى رأسه بحجر فأوضحه، ومثله يوضح وجب فيه القصاص، وإن كان مثله لا يوضح في الغالب وربما أوضح فهو عمد شبه الخطأ، ففيه دية الموضحة دون القود، كذا لو ضرب يده بخشبة فأبانها، كان مثلها يقطع في الغالب، وجب فيها القصاص، وإن كان مثلها لا يقطع ي الغالب وجب فيها الدية، كما قلنا في تلف النفوس.