إن كانوا عشرة تسع ديات يد تقسم بين جماعتهم، فصار هذا الاختلاف إجماعا على أن لا تتداخل الأطراف، ولأنها جنايات لا تتداخل في الأطراف فوجب أن لا تتداخل في النفوس كالخطأ، ولأن جنايات العمد أغلظ من الخطأ، فلم يجز أن يكون أضعف من موجب الخطأ، ولأن حقوق الآدميين إذا أمكن استيفاؤها لم تتداخل كالديون، ولأن للقصاص موضوع لإحياء النفوس.
كما قال تعالى: {ولَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ} فلو قتل الواحد بالجماعة لكان فيه إغراء بقتل الجماعة، لأنه لا يلتزم بعد قتل الأول شيئا في جميع من قتل، وليسارع الناس بعد ابتدائهم بالقتل إلى قتل النفوس ولم يكفوا، ولم يصر القصاص حياة، وهذا استدلال وانفصال عن جمعه بين قتل الجماعة بالواحد، وقتل الواحد بالجماعة.
وأما الجواب عن قياسهم على قتل العبد والمحارب، فإن جعل الأصل فيه العبد.
فالجواب عنه أنه لما تداخلت جنايات خطئه تداخلت جنايات عمده وإن جعل الأصل قتل المحارب فقد اختلف أصحابنا في تداخل جنايته فذهب ابن سريج إلى أنها لا تتداخل، ويتحتم قتله بالأول، ويؤخذ من ماله ديات الباقين، وذهب جمهورهم إلى تداخلها، لأنها صارت بانحتام قتله من حقوق الله تعالى، وحقوقه تتداخل وإذا قيل في غير الحرابة، لأنها صارت بانحتام قتله من حقوق الله تعالى، وحقوقه تتداخل وإذا قيل في غير الحرابة لم ينحتم قتله، فكان من حقوق الآدميين وحقوقهم لا تتداخل وكذا الجواب عن قياسهم على الحدود وقياسهم على غرماء المفلس.
فالجواب عنه أنه لم يبق لغرماء المفلس عين يستوفون حقوقهم منها، فاستهموا في الموجود منها. ولو كان القاتل مفلسا لكان الأولياء معه بمثابتهم وإذا فارق المفلس يساره وجد الأولياء سبيلا إلى استيفاء حقوقهم، فافترق الجمعان.
فصل:
فإذا ثبت أن قاتل الجماعة يقتل بأحدهم لم يخل حال قتله لجماعتهم من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقتلهم واحدا بعد واحد.
والثاني: أن يقتلهم في دفعة واحدة.
والثالث: أن يشكل حال قتله لهم ومن يقدم قتله منهم.
فأما القسم الأول: وهو أن يقتلهم واحدا بعد واحد فأحقهم بالاقتصاص منه ولي الأول، فلا يخاطب أولياء الباقين إلا بعد عرض القصاص على الأول، فإن طلبه اقتص منه للأول وكان في ماله ديات الباقين، فإن اتسع ماله لجميع دياتهم استوفوها، وإن ضاق عنها استهموا فيها بالحصص، وصار المتقدمون والمتأخرون فيها أسوة، وإنما تقدم الأسبق في القصاص، ولم يتقدم في الدية، لأن محل الدية في الذمة، وهي تتسع