قيل: لما كان سببه القصاص الذي فيه حفظ حياتهم وصلاح أنفسهم، كان موجب الخطأ فيه من جملة مصالحهم، فعلى هذا يكون في بيت المال ما ضمنه من الدية أو الغرة على تأجيل لخطأ، وفي الكفارة وجهان:
أحدهما: في بيت المال كالدية لاتفاقهما في معنى الوجوب.
والثاني: أنها تكون في مال الإمام دون بيت المال، لأن بيت المال عاقلته والعاقلة تتحمل الدية دون الكفارة.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله: "ولو قتل نفرا قتل للأول وكانت الديات لمن بقي في ماله فإن خفي الأول منهم أقرع بينهم فأيهم قتل أولا قتل به وأعطي الباقون الديات من ماله".
قال في الحاوي: إذا قتل الواحد جماعة إما في حال واحدة بأن ألقي عليهم حائطا، أو ألقاهم في نار، أو غرقهم في سفينة، أو قتلهم في أوقات شتى واحدا بعد واحد وجب أن يقتل بأحدهم، وتؤخذ من ماله ديات الباقين.
وقال مالك وأبو حنيفة يقتل بجماعتهم وقد استوفوا به حقوقهم، ولا دية لهم في ماله فإن بادر أحدهم فقتله كان مستوفيا لحقه وحقوقهم وبني أبو حنيفة ذلك على أصلين:
أحدهما: أنه في قتل العمد أنه لا يوجب غير القود، وأن الدية لا تستحق إلا عن مراضاة.
والثاني: أن القاتل إذا فات الاقتصاص منه بالموت لم يجب في ماله دية، وقد مضى الكلام معه في الأصل الأول، ويأتي الكلام معه في الأصل الثاني، واستدل في هذه المسألة بأن الجماعة إن كانوا كفؤا للواحد إذا قتلوه قتلوا به، وجب أن يكون الواحد كفؤا للجماعة إذا قتلهم قتل بهم، ولأن القصاص إذا ترادف على نفس واحدة تداخل بعضه في بعض كالعبد إذا قتل جماعة، وكالمحارب إذا قتل في الحرابة جماعة، ولأن القصاص حد، فوجب أن يتدخل بعضه في بعض، كحد الزنا والقطع في السرقة ولأنهم اشتركوا في عين ضاقت عن حقوق جميعهم، فوجب أن يكونوا فيها أسوة كغرماء المفلس، ودليلنا قول الله تعالى: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} المائدة: 45 فمن جعل نفسا بأنفس خالف الظاهر وقال تعالى: {ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} ومن قتله بجماعته أبطل سلطان كل واحد منهم، ولأنها جنايات لا يتداخل خطأها فوجب أن لا يتداخل عمدها، كالأطراف لأن واحدا لو قطع أيدي جماعة قطع عندنا بأحدهم، وأخذ منه ديات الباقين، وعند أبي حنيفة يقطع يده بجماعته ثم يؤخذ من ماله