فلو شهد اثنان منهم بالتقدم لأحدهم قبلت شهادتهما؛ لأنهما غير متهمين فيها فإن ردت شهادتهما بجرح سقط حقهما من القصاص بالاعتراف به لغيرهما، والاعتبار بالتقدم أن يراعي وقت الموت لا وقت الجناية، فلو قطع يد زيد ثم قطع يد عمرو فمات عمرو ثم مات زيد استحق زيد القصاص في النفس دون زيد، لأن موته أسبق والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو قطع يد رجل وقتل آخر قطعت يده باليد وقتل بالنفس".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: إذا قطع الجاني يد رجل، ثم قتل آخر قطعت يده للأول، وقتل الثاني.
وقال مالك: يقتل بالثاني ويدخل فيه القطع، لأن القتل أعم فاستوعب الحقين ولأن الغرض إفاتة نفسه والزيادة عليه ومثله ولأنه وجب عليه القطع في السرقة والقتل في الردة قتل بالردة ودخل فيه قطع السرقة، وكذلك في الجناية على اليد وعلى النفس، يجب أن يدخل قطع اليد في قتل النفس، وهذا خطأ لقول الله تعالى: {وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} الشورى: 40 وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: 194 فوجب أن يجازى بالأمرين، ويستوفي منه الحقان، ولأن القطع والقتل حقان لشخصين، فلم يجز أن يتداخلا كالديون وسائر الحقوق، ولأنه لما امتنع تداخلهما في الدية امتنع تداخلهما في القود، ولأن الخطأ أخف من العمد وهما لا يتداخلان في الخطأ فكان أولى أن لا يتداخلا في العمد فبطل به الاستدلال الأول، ولا يكون نكالا ومثله، لأنه جزاء فاجتماع قطع السرقة وقتل الردة فقد اختلف أصحابنا في تداخلهما على وجهين:
أحدهما: لا يتداخلان ويستوفيان، فيقطع بالسرقة ويقطع بالردة.
والثاني: يتداخلان، لأنهما من حقوق الله تعالى، فجاز تداخلهما وحقوق الآدميين لا تتداخل، وهكذا اختلف أصحابنا فيمن زنا بكرا ثم زنا ثيبا، هل يدخل الجلد في الرجم مع اختلافهما في الحكم وارتفاقهما في الموجب على وجهين.
فصل:
ولو ابتدأ الجاني فقتل رجلا، ثم قطع يد آخر اقتص من يده بالقطع، ثم من نفسه بالقتل ويقدم القطع وإن تأخر عن القتل وإن تقدم، بخلاف القتيلين في تقديم الأسبق فالأسبق؛ لأنه لا يمكن استيفاء القود في القتيلين، فقدم أسبقهما، ويمكن استيفاء القود