في اليد والنفس فربما على الوجه الذي يمكن استيفاؤهما.
ولو قدم القتل سقط القطع، وإذا قدم القطع لم يسقط القتل، فلذلك قدم القطع وإن تأخر على القتل وإن تقدم، ولكن مثال القتيلين من الأطراف أن يقطع طرفين متماثلين من اثنين مثل أن تقطع من رجل يمنى يديه ومن آخر يمنى يديه فلا يمكن استيفاء القصاص من اليد الواحدة، فيقدم الاقتصاص منها لأسبقهما كالقتلين لتعذر القصاص فإن عفا الأول اقتص منها للثاني.
فإن قيل فالمقتول كان كامل الأطراف، فوجب أن يقتص له من نفس كاملة الأطراف.
قيل: كمال النفوس لا يعتبر بكمال الأطراف، لأن القاتل لو كان كامل الأطراف والمقتول ناقص الأطراف قتل به مع كمال أطرافه ولو كان القاتل ناقص الأطراف والمقتول كامل الأطراف قتل به ولا شيء له في زيادة أطرافه، لأن دية النفس وإن نقصت أطرافها كدية النفس وإن كملت أطرافها.
فصل:
وإذا ابتدأ الجاني فقطع إصبع رجل من يده اليمنى، وقطع من آخر يده اليمنى قدم القصاص في الإصبع لتقدم استحقاقه، فإن اقتص صاحب الإصبع منها اقتص بعده لصاحب اليد وقد اقتص من يد نقصت إصبعا بيده الكاملة فيرجع بعد القصاص على الجاني بدية إصبع وهي عشر الدية، وهذا بخلاف ما قدمناه من القصاص في النفس إذا نقصت أطرافها، لأن الكمال معتبر في تكافؤ الأطراف، وغير معتبر في تكافؤ النفوس؛ لأن دية الأطراف مساوية لدية النفس الكاملة الأطراف، فلو عفا صاحب الإصبع عن القصاص كان له ديتها وقطع لصاحب اليد، ولا شيء له سواه، لأنه قد استوفي القصاص في يد كاملة بيده الكاملة، ولو ترتب القطعان بالضد، فبدأ الجاني فقطع من رجل يده اليمنى ثم من آخر إصبعا من يده اليمنى قدم القصاص لصاحب اليد على القصاص لصاحب الإصبع لتقدم قطع اليد على قطع الإصبع اعتبارا بالأسبق.
فإن قيل: فهلا قدمتم القصاص في الإصبع، وإن تأخرت على القصاص في اليد ليستوفي به الحقان مما قدمتم القصاص في اليد، وإن تأخر على القصاص في النفس لاستيفاء الحقين؟
قيل: لما قدمناه من اعتبار الكمال في تكافؤ الأطراف وسقوط اعتباره في تكافؤ النفوس، وقد استحق صاحب اليد بكمال يده الاقتصاص من يد كاملة، فلم يجز أن يقتص له من يد ناقصة مع إمكان الاقتصاص منهما وهي كاملة، وإذا كان كذلك واقتص صاحب اليد سقط القصاص لصاحب الإصبع ورجع بديتها، وإن عفا صاحب اليد عن القصاص رجع بديتها واقتص لصاحب الإصبع، وهكذا قطع الأنملة من رجل وقطع تلك الإصبع من آخر يكون على قياس الإصبع مع الكف.