العلة في الأبدان تتفاوت ولا يعرف منتهاها, فصار الشللان مختلفين غير متماثلين فسقط القصاص فيه.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا أن القصاص فيه واجب, لأن تفاوت الشلل يكون في نهايته ويكون في أحدهما أكثر سارية منه في الآخر, ولسنا نستوفي القصاص إلا من حد القطع فقد تساويا في نقصه فيجرب القصاص بينهما في الشلل كما يجري مع السلامة إلا أن تكون الشلاء من المقطوع يمناه ومن القاطع يسراه فلا قصاص بينهما, لأنه لا يجوز أن يقتص من يمنى بيسرى, وسواء كان الشلل حادثًا مع الولادة أو طارئًا بعدها.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإن قطع أصبعه فتأكلت فذهبت كفه أقيد من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا".
قال في الحاوي: وهذا كما قال اختلف الفقهاء فيمن قطع إصبع رجل فسرى القطع إلي أن تآكلت كفه ثم اندملت فذهب الشافعي إلي وجوب القصاص عليه في الإصبع دون الكف, فأوجبه في الجناية السراية.
وقال أبو حنيفة: لا قصاص عليه في الإصبع ولا في الكف, فأسقطه في الجناية والسراية.
وقال آخرون: يجب عليه القصاص في جميع الكف فأوجبوه في الجناية والسراية.
واستدل أبو حنيفة على سقوط القصاص في الجناية والسراية بناء على أصله في أن قطع اليد إذا سرى إلي النفس وجب القصاص في النفس دون اليد, فكان القصاص عنده معتبرًا بالسراية دون الجناية, وليس في السراية ها هنا قصاص فسقط في الجناية واحتج بعده بأمرين:
أحدهما: أن الجناية إذا لم تضمن سرايتها بالقود لم يضمن أصلها بالقود كالخطأ.
والثاني: أن هذه الجناية قد اجتمع فيها موجب القصاص بالمباشرة وسقط له بالسراية, وإذا اجتمع في الجناية موجب ومسقط غلب حكم الإسقاط على الإيجاب كالعامد إذا شارك خاطئًا.
والدليل على وجوب القصاص في الجناية دون السراية قول الله تعالى: {والْجُرُوحَ قِصَاصٌ} المائدة 45 والجرح مختص بالجناية دون السراية, ولأن كل جناية وجب القصاص فيها مع عدم السراية وجب القصاص فيها مع وجود السراية, قياسًا على قطع يد الحامل إذا سرى إلي سقاط حملها, ولأنه لا يمتنع وجوب القصاص في الجناية وإن