والثاني: وهو ظاهر قول أبي علي بن أبي هريرة أنها دية عمد تجب حالة في مال الجاني، لأنها جنايةً واحدةً فلم يختلف حكم أرشها، وإن طلب المجني عليه القصاص في الجناية اقتص له من إصبع الجاني، وأخذ منه أربعة أخماس دية الكف لذهابها بالسراية عن جناية، وذلك أربعون من الإبل هي دية أربع أصابع وأصولها من الكف واختلف أصحابنا: هل يدخل فيها أرش أصل الإصبع المأخوذ قودًا أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: أنه قد دخل في حكم القصاص تبعًا لدخوله في حكم الدية تبعًا.
والثاني: وهو قول أبي إسحاق المروزي أن أصول الأصابع من الكف تكون تبعًا لها في الدية ولا تكون تبعًا لها في القصاص، ألا ترى أنه لو قطع أصابعه الخمس كان عليه خمسون من الإبل ولو قطعها مع الكف وجبت عليه الخمسون من غير زيادة، فصارت الكف تبعًا للأصابع في الدية، ولو قطع أصابعه الخمس ثم سرت إلى الكف اقتص من خمس أصابعه ووجب عليه أرش الكف، ولم يكن أرش الكف تبعًا للقصاص فاقتضى هذا التعليل أن يؤخذ منه أرش ما يجب للإصبع المقتص منها من الكف مضافًا إلى دية الأصابع الأربع، وهل يكون جميعه حالا في مال الجاني أو مؤجلًا على عاقلته؟ على الوجهين الماضين.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((ولم ينتظر به أن يراقي إلى مثل جنايته أولًا)).
قال في الحاوي: وهذا صحيح إذا اقتص من إصبع الجاني فسرت إلى كفه كسراية جنايته من إصبع المجني عليه إلى كفه لم تكن السراية قصاصًا من السراية.
فإن قيل: فهلا كانت السراية إلى الأطراف قصاصًا كما كانت الراية إلى النفس قصاصًا؟
قيل: النفس لا تؤخذ بالمباشرة وإنما تؤخذ بالسراية، والأطراف تؤخذ بالمباشرةً دون السراية، ولذلك وجب القصاص في سراية النفس ولم تجب في سراية الأطراف.
فإن قيل: أفليس لو شجه موضحةً فسرت إلى ذهاب بصره فاقتص من موضحة الجاني فسره إلى بصره كانت السراية قصاصا، وليس ذلك سراية إلى نفس، فهلا كان في السراية إلى الطرف كذلك؟
قيل: لأن أخذ البصر يكون بالسراية كالنص، لأن ضوء البصر غير مشاهد، ولذلك وجب القصاص في السراية إلى ذهاب البصر قصاصًا بالسراية إلى ذهاب البصر قصاصا بالسراية إلى ذهاب البصر قصاصًا.