فصل:
فإذا ثبت أن سراية القصاص إلى الكف لا تكون قصاصا من سراية الجناية إلى الكف، فإذا اقتصصنا من إصبع الجاني أخذنا الباقي من دية الكف على ما وصفنا، ولم ينتظر بإصبعه أن ينتهي في السراية إلى مثل سراية جنايته، لأنها لو انتهت إليه لم يكن قصاصا فلم يكن للانتظار وجه، وهو معنى قول الشافعي: ((ولم ينتظر به أن يراقي إلى مثل جنايته أولًا، فإن سرت أكلة الكف إلى نفس المجني عليه بعد الاقتصاص من إصبع الجاني نظر فإن كانت السراية إلى نفسه بعد أخذ دية باقي كفه فلا قصاص له في النفس، لأنه قد استوفي بعض ديتها فيستوفي ما بقى من دية النفس وذلك نصف الدية، لأنه قد أخذ بالقصاص والأرش نصفها الآخر، وإن كانت السراية قبل أخذ الباقي من دية كفه ففي وجوب القصاص في النفس وجهان بناء على اختلاف أصحابنا في دية السراية إلى الكف هل يكون دية عمد أو خطأ؟
أحد الوجهين: وهو قول أبي إسحاق المروزي أنها دية خطأ، فعلى هذا لا قود في السراية إلى النفس، ويعدل إلى استكمال الدية ليأخذ تسعين من الإبل لاقتصاصه من إصبع ديتها عشر من الإبل، وعلى هذا لو سرى القصاص من الجاني إلى نفسه لم تسقط عنه الدية.
والوجه الثاني: وهو مقتضى قول أبي علي بن أبي هريرة، وقول أبو حامد الإسفراييني إنها دية عمد، فعلى هذا يستحق القصاص في النفس إلا أن يعفو إلى الدية فيعطاها إلا دية إصبع، وعلى هذا لو سرى القصاص من إصبع الجاني إلى نفسه كانت سرايته قصاصًا، لأن سراية جنايته موجبة للقصاص والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((ولو سأل القود ساعة قطع إصبعه أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أربعة أخماس ديتها))
قال في الحاوي: وهذا كما قال، يجوز القصاص في الأطراف قبل اندمالها.
وقال أبو حنيفة، ومالك والمزني: لا يجوز أن يقتص من طرف أو جرح حتى يندمل أو يسري إلى النفس، وبناه أبو حنيفة على أصله الذي تقدم فيه الكلام معه من أن سرايته إلى ما دون النفس موجية لسقوط القود فيه، احتجاجًا برواية ابن جريج عن ابن الزبير عن جابر أن رجلًا جرح فأراد أن يستفيد فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستفاد من الجارح حتى يبرأ المجروح.
وروى يزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يتسانا