بالجراحات سنة))، ولان القود أحد البدلين فلم يجز استيفاؤه قبل استقرار الجناية كالدية؛ ولأن القود من الطرف قبل استقرار الجناية قد يجوز أن يسري إلى نفس الجاني قبل سرايته إلى نفي المجني عليه، فإن جعلتموه قصاصًا في النفس كان سالفًا قي قتل قبل استحقاقه وذلك غير جائز قصاصًا إن أخذتم الدية كنتم قد جمعتم بين القصاص والدية وذلك غير جائز.
ودليلنا رواية أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلًا طعن رجلًا بقرن في ركبته فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستفيد فقيل له: حتى تبرأ، فأبى وعجل، فا ستفاد فعرجت رجله وبرئت رجل المستفاد منه، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((ليس لك شيء أنت أبيت)) فدل هذا الحديث على ثلاثة أشياء:
أحدها: جواز تعجيل القود قبل الاندمال.
والثاني: أن تأخيره إلى وقت الاندمال استحباب.
والثالث: جواز القود من الجناية بغير الحديد، لأن الجناية كانت بقرن، وهذا الحديث ذكره الدارقطني في سننه، ولأن القود واجب بالجنايةً والاندمال عافيةً من الله تعالى لا توجب سقوط القود، وسرايتها لا تمنع من استيفائه، فوجب أن يكون استقرار الجناية على أحد الحالين غير مالح من تعجيل القود، ولأن ما استحق فيه القود لم يلزم تأخيره كالمندمل.
فأما استدلالهم بالخبر الأول فمحمول على الاستحباب بدليل خبرنا.
وأما الخبر الثاني فمتروك من وجهين:
أحدهما: ضعف راويه، قال لدارقطني: يزيد بن عياض ضعيف متروك.
والثاني: أن تقدير تأخيره بالسنة لا يلزم بالإجماع.
وأما الجواب عن قياسهم على الديةً فهو أن للشافعي في أخذ دية الطرف قبل اندماله قولان:
أحدهما: قاله في كتاب ((المكاتب)): لو جني السيد على عبده المكاتب فقطع يده كان له أن يعجل أرش يده قصاصًا من كتابته، فخرجه أصحابنا قولا في جواز تعجل الأرش قبل الاندمال، فعلى هذا إن كان أرش الجناية أقل من دية النفس أخذ جميعها، وإن كان أكثر من دية النفس كقطع يديه ورجليه، فقد اختلف أصحابنا في أخذ ما زاد على دية النفس على وجهين حكاهما أبو حامد الإسفراييني:
أحدهما: يؤخذ منه ديات الأطراف وإن كانت أربعًا فوق دية النفس اعتبارًا بحال الجناية كالقود.