والثاني: حكاه عن أبي إسحاق المروزي أنه لا يؤخذ منه أكثر من دية النفس لجواز السراية إليها فلا يجب أكثر منها فلا يؤخذ ما يجوز أن يسترجع، فعلى هذا القول قد بطل أصل القياس للتسوية بين الدية والقود في استيفائهما قبل الاندمال.
والقول الثاني: وهو الصحيح المنصوص عليه في جميع كتبه والمعمول عليه عند سائر أصحابنا أنه لا يجوز أخذ الدية قبل الاندمال وإن كان القود قبله.
والفرق بينهما: أن القول لا يسقط بما حدث بعد ألجناية من اندمال أو سراية، فجاز أن يستوفي قبل استقرارها، ودية الطرف لا تستقر إلا بعد الاندمال، لأنه إن قطع إصبعًا أرشها عشر الدية فقد يجوز أن يشاركه في قتل المجني عليه مائة نفس، فلا يلزم كل واحد من الجماعة من الدية إلا عشر عشرها فيحتاج إلى أن يرد على قاطع الإصبع الزيادة عليه فافترقا.
فإن قيل: فقد يجوز أن يحدث في القود مثله، لأنه قد يجوز أن يشركه قبل اندمال الإصبع خاطئ فتسري الجنايتان إلى نفسه فيسقط القول على العامد.
قيل: إنما يسقط القول عن العامد في النفس إذا شاركه خاطئ بخروج النفس بعمده وخطئه، فأما الطرف الذي تفرد العاهد بأخذه فلا يسقط القول فيه بمشاركة خاطئ له في النفس، وصار القود في الطرف محتوم الاستحقاق.
وأما الجواب عن قولهم: وإن هذا يفضي عند السرايتين إلى السلف في القصاص فهو أن تقول: لا تخلو السرايتان بعد الجناية والقصاص من أن تقدم سراية الجناية أو سراية القصاص، فإن تقدمت سراية الجناية على سراية القصاص فقد استوفي بسراية القصاص ما وجب في سراية الجناية من القصاص، وإن تقدت سراية القصاص على سرأية الجناية، ففيه وجهان:
أحدهما: وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي أنها تكون قصاصًا وإن تقدمت على سراية الجناية، فلا يكون ذلك سلفًا لحدوثها عن قصاص قد استوفي بعد استحقاقه، والسلف أن يقول: اقطع يدي ليكون قصاصًا من سراية الجناية لتقدمها عليه.
والثاني: وهو قول أبي علي بن خيران أنها لا تكون قصاصًا، لتقدمها على سراية الجناية وتميز الطرفين عن السرايتين، فعلى هذا يصير المجني عليه مستحقًا لدية النفس لفوات القصاص فيها بالسراية اليها وهي غير مضمونةً لحدوثها عن مباح, وقد استوفي المجني عليه من دية النفس عشرها وهي دية الإصبع المقتص منها، فيرجع في مال الجاني بتسعة أعشار الدية، وقد استوفينا هذين الجوابين لما تعلق بهما من شرح المذهب.
مسألة:
قال الشافعي - رضي الله عنه -: ((ولو كان مات منها قتلته به لأن الجاني ضامن لما