حدث من جنايته والمستفاد منه غير مضمون له ما حدث من القود بسبب الحق)).
قال في الحاوي: قد ذكرنا أن سراية الجناية مضمونةً على الجاني، وسراية القصاص غير مضمونة على المقتص له، لحدوث سراية الجناية عن محظور وحدوث سراية القصاص عن مباح، وإن سوى أبو حنيفة بين ضمان السرايتين، فعلى هذا صورة مسألتنا أن يقطع إصبعه فيقتص من إصبعه، ثم تسري الجناية إلى نفس المجني عليه، فيجب أن يقتص له من نفس الجاني، ولو كان المجني عليه قد أخذ دية إصبعه ثم مات من سرايتها لم يقتص له من نفس الجاني، لأن أخذه لدية إصبعه عفو عن القصاص فيها، وسراية ما لا قصاص فيه غير موجبةً للقصاص، وله أن يرجع بتسعة أعشار الدية، لأنه قد أخذ في دية الإصبع عشرها، فصار مستوفيًا لجميع الدية.
مسألة:
قال المزني رضي الله عنه: " وَسَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ مِنْهَا عَيْنَاهُ وَشَعْرُهُ فَلَمْ يَنْبُتْ ثم برئ أقص مِنَ المُوضِحَةِ فَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَقَدِ اسْتَوْفي حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ عَيْنَاهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ زِدْنَا عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَفِي الشعر حكومة ".
قال في الحاوي: اعلم أن سراية الجناية تنقم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تسري إلى النفس، فيجب القصاص له في السراية كوجوبه في الجناية، لأن النفس تؤخذ تارة بالتوجئة وتارة بالسراية، فوجب القصاص في الحالين وليست النفس عينًا ترى فتنفرد بالأخذ، فلو سرى قصاص الجناية إلى النفس كان وفاء لحق المجني عليه.
والثاني: أن تسري الجناية إلى عضو في الجسد كسراية قطع الإصبع إلى الكف وسراية قطع الكف إلى المرفق، فالقصاص في الجناية دون السراية، ويؤخذ أرش السراية مع القصاص في الجناية على ما مضى، فلو سرى قصاص الجناية مثل سراية الجناية لم يسقط به أرش سراية الجناية، لما ذكرناه من حدوث سراية الجناية غير مضمون فصار مضمونًا، وحدوث سراية القصاص عن غير مضمون فلم يصر مضمونًا.
والثالث: أن تسري الجناية إلى ذهاب ضوء العين كالموضحة في الرأس إذا ذهب بها ضوء العين، فالذي نقله المزني عن الشافعي نصًا في هذا الموضع أن القصاص في السراية إليه واجب؛ لأن ضوء العين ليس بشخص يرى فيؤخذ بقلع العين تارةً وبالسرايةً أخرى فأشبه النفس، فاقتضى أن يجب القصاص في السراية إليه كما يجب في السراية إلى النفس، فيصير هذا ملحقًا بالقسم الأول.