وقال أبو حنيفة: لا قصاص في الموضحة ولا في السرايةً كما لا يجب في الإصبع ولا في السراية إلى الكف.
وقال أبو يوسف: يجب القصاص في الموضحة وفي السرايةً إلى ضوء العين وإن لم يجب في الأصبع والسراية إلى الكف، وخرج أبو إسحاق المروزي قولًا ثانيًا لم يساعده عليه غيره أن السرايةً إلى ضوء العين لا توجب القصاص كما لا توجبه السرايةً إلى أعضاء الجسد لأنهما سرايتان إلى ما لا دون النفس وجعل ذلك ملحقًا بالقسم الثاني، فأما السرايةً إلى ذهاب الشعر فلا توجب القصاص، لأن الشعر عين ترى يمكن أن يقصد بالأخذ فصار كسائر الأعضاء.
فصل:
فإذا تقرر ما ذكرناه من هذه المقدمة فصورة مسألتنا في رجل شبح رجلًا موضحة فذهب منها ضوء عينيه وشعر رأسه، فعلى منصوص الشافعي في وجوب القصاص في السرايةً إلى ضوء العين، يقتص من موضحة الجاني، فإن ذهب منها ضوء عينيه وشعر رأسه فقد استوفي المجني عليه حقه، وإن لم يذهب منها ضوء عينيه ولا شعر رأسه أخذ منها حكومة في الشعر الزائد على موضع الموضحةً، لأن الشعر الذي في موضع الموضحة قد دخل في القصاص منها أو في أرش ديتها، ولا يعالج شعره حتى يذهب ولا يعود نباته؛ لأنه قصاص في السرايةً إلى الشعر، وقد كان القياس يقتضى أن يؤخذ من الجاني حكومةً وإن لم ينبت شعر، غير أن الشافعي جعله تبعًا لخفة حكمه من أحكام الأعضاء، فأما ضوء العين إذا لم يذهب بسراية القصاص فإن أمكن يعالج العين بما يذهب ضوءها من غير جنايةً على الحدقة مثل الكافور أو ميل يحمى بالنار ويقرب إلى العين من غير أن يذوب به شحمها اقتص منه بذلك، وإن لم يكن إلا بقلع الحدقة لم يجز قطعها لأحد أمرين:
أحدهما: أن الحدقة عضو لم يجن عليه فلم يقتص منه.
والثاني: أنه لا يجوز أن توضع حديدة القصاص في غير محلها من الجناية.
فإن قيل: أفليس لو سرت إلى نفسه ولم يسر القصاص إلى نفس الجاني. قيل: ووضع حديد القصاص في غير موضعه من الجناية؟
قيل: لأن القصاص في النفس يستهلك به جميع الجسد وفيما دون النفس لا يستهلك به إلا عضو الجناية وحده فافترقا، وإذا تعذر القصاص في ضوء العين أخذ منه ديتها مع حكومة الشعر بعد الاقتصاص من الموضحة، ولو لم يقتص منها يضم إلى ذلك دية الموضحة.
فأما على القول الثاني خرجه المروزي، أنه لا قصاص في ذهاب ضوء العين بالسرايةً فيقتص من الموضحة، ويؤخذ من الجاني دية في ذهاب في ضوء العين، وحكومةً في ذهاب الشعر، سواء سرى قصاص الموضحةً إلى ذهاب ضوء عين الجاني وذهاب