الشافعي: "ما قومها إلا قيمة يومها", وإذا كان العدول عنها قيمة لها لم تستحق القيم إلا بعد العدم, لأن ما استحقه الآدميون من حقوق الأموال إذا تعينت لم يدخلها تخيير كسائر الحقوق, وليس لما احتيج به من قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بجميعها وجه لاحتمال قضائه بذلك مع الإعواز والعدم, ولا توجب المواساة بها التخيير فيها كما لا يخير بين ما سوى الدنانير والدراهم وبين غيرها من العروض والسلع وكذلك قوله: إنها أرفق.
فصل:
قدر أبو حنيفة الدية من الورق عشرة آلاف درهم, وعند الشافعي أنها إذا تقدرت كانت اثني عشر ألف درهم, فقوم الشافعي كل دينار باثني عشر درهمًا, وقومه أبو حنيفة بعشرة دراهم استدلالًا بقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الدية بعشرة آلاف درهم وبقول علي بن أبي طالب عليه السلام: وددت أن لي بكل عشرة منكم واحدًا من بني فراس بن غنم, وصرف الدينار بالدراهم, فدل على أن قيمة الدينار عشرة دراهم, ولأن الشرع قد قدر في الزكاة والسرقة كل دينار في مقابلة عشرة دراهم, أما الزكاة فلأن نصاب الذهب عشرون مثقالًا ونصاب الورق مائتا درهم.
وأما السرقة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القطع في دينار أو عشرة دراهم". ودليلنا ما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألف درهم وحديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألف درهم, ولأنه قول سبعة من الصاحبة أنهم حكموا في الدية باثني عشر ألف درهم منهم الأئمة الأربعة وابن عباس, وأنس بن مالك, وأبو هريرة رضوان الله عليهم, ولو يظهر مخالف فكان إجماعًا لا يسوغ خلافه. فإن قيل: فقد روي عن عمر أنه قضى في الدية بعشرة آلاف درهم قيل المشهور فيه ما رويناه, وقد رواه عمرو بن شعيب وحضر السيرة فيه فكان أثبت نقلًا وأصح عملًا, ولو تعارضت عنه الروايتان كان خارجًا من خلافهم ووفاتهم, ولكان من قول من عداهم إجماعًا منعقدًا, فإن قيل فتحمل الاثني عشر ألفًا على وزن ستة, والعشرة آلاف على وزن سبعة, فيكون وفاقًا في القدر, وإن كان خلافًا في العدد, قيل: ليس تعرف دراهم الإسلام إلا وزان سبعة, ولو جاز لكم أن تتأولوه على هذا لجاز لنا أن نقابلكم بمثله فتأول من روى عشرة آلاف درهم على أنها وزن ثمانية, ومن روى اثني عشر ألف على أنها وزن سبعة. وقولهم: إن الدينار موضوع في الشرع على مقابلة عشرة دراهم في الزكاة والسرقة فليست الزكاة أصلًا للدية, لأن نصاب الإبل فيها خمس, ونصاب الذهب عشرون مثقالًا, يكون البعير الواحد في مقابلة أربعة دنانير, والدية من الإبل مائة بعير تقتضي على اعتبار الزكاة أن تكون الدية من