حاله فإن كان طفلًا أو مضعوفًا مذعورًا فلذلك مزيل لعقل مثله فيؤخذ بديته, وإن كان قوي النفس ثابت الجأش فعقل مثله لا يزول بهذا التفزيع فلا دية فيه, وهكذا إن زعق عليه بصوت مهول فزال عقله كان معتبرًا بحاله في قوة جأشه أو ذعره, فلا تلزمه الدية في ذي الجأش وتلزمه في المذعور فأما إن أخبره مصيبة حزن لها فزال عقله أو أخبره بمسرة فرح فزال عقله لحدوث زواله عن فرح وحزن أحدثه الله تعالى فيه.
فصل:
وإذا زال عقله بجناية مباشرة فلم يخل حالها من أن يوجب غرمًا سوى دية العقل أو لا يوجب, فإن لم يوجب سوى الدية العقل غرمًا كاللطمة واللكمة وما لا يؤثر من الخشب والمثقل في الجسد غير الألم فتستقر بها دية العقل, ويكون ما عداه من ألم الضرب هدرًا, وهل يعزر به أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يعزر لإيجابه دية العقل, وغرمها أغلظ من التعزير.
والوجه الثاني: يعزر, لأن غرم الدية في غير محل الألم, فوجب أن لا يخلو من تعزير إذا خلا من غرم. وإن أوجبت الجناية غرمًا سوى دية العقل من مقدر أو غير مقدر ففيه قولان:
أحدهما: وبه قال في القديم وهو مذهب أبي حنيفة: أنه إن كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالموضحة والمأمومة, أو قطع إحدى الأذنين دخل ذلك في دية العقل ولم يجب عليه أكثر منها, وإن موجبًا من الدية, لقطع الأذنين وجذع الأنف' دخله فيه دية العقل وأخذ بدية الأذنين والأنف ليكون الأقل داخلًا في الأكثر, استدلالًا بأن زوال العقل مسقط للتكليف فأشبه الموت.
والقول الثاني: قاله في الجديد وهو الأصح: إن دية العقل لا تسقط بما عداها, ولا يسقط بها ما عداها, سواء كان ما وجب الجناية أقل من دية العقل كالمأمومة, فيجب عليه ثلث الدية في المأمومة وجميع الدية في العقل, أو كان ما وجب بالجناية أكثر من دي العقل كالأذنين والأنف, فيجب عليه ثلاث ديات واحدة في العقل, وثانية في الأذنين وثالثة في الأنف, لرواية أبي المهلب أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-قضى على رجل رمى رجلًا بخنجر في رأسه فأذهب عقله وسمعه ولسانه وذكره بأربع ديات, ولأن ما اختلف محله لا يتداخل فيما دون النفس كالأطراف, ولأن العقل عرض يختص بمحل مخصوص فلم يتداخل فيه أرش الجنايات كالسمع والبصر.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وفي العينين الدية".