أحدهما: اختلاف الناس في محله, فمن طائفة تقول محله الدماغ. وأخرى تقول محله القلب, وأخرى تقول مشترك فيهما, وإن كان الأصح من أقاويلهم أن محله القلب لقول الله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} الحج 46 ولأنه نوع من العلوم.
والثاني: تعذر استيفائه, لأنه يذهب يسير الجناية ولا يذهب بكثيرها, فأما الدية فواجبة فيه على كمالها لرواية عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه إلي اليمن: في العقل الدية.
وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم: "في العقل الدية مائة من الإبل". وقضى عمر رضي الله عنه في المشجوج رأسه حين ذهب بها سمعه وعقله ولسانه وذكره بأربع ديات, ولأن العقل أشرف من حواس الجسد كلها لامتيازه بع من الحيوان البهيم, وفرقه به بين الخير والشر, وتوصله به إلي اختلاف المنافع ووقع المضار, وتعلق التكليف به, فكان أحض بكمال الدية من جميع الحواس مع تأثير ذهابه فيها وفقد أكثر منافعها.
فصل:
إذا ثبت وجوب الدية بذهاب العقل فإنما يستحق في العقل الغريزي الذي يتعلق به التكليف, وهو العلم بالمدركات الضروري, فأما العقل المكتسب الذي هو حسن التقدير وإصابة التدبير ومعرفة حقائق الأمور فلا دية فيه مع بقاء العقل الغريزي وفيه حكومة لما أحدث من الدهش بعد التيقظ والاسترسال بعد التحفظ, والغفلة بعد الفطنة يعتبر بحكومته قدر ما حدث من ضرره, ولا يبلغ به كمال الدية, لأنه تابع للعقل الغريزي, ولا يتبعض العقل الغريزي في ذاته, لأنه محدود بما لا يتجزأ فلا يصح أن يذهب بعضه ويبقى بعضه, ولكن قد يتبعض زمانخ فيعقل يومًا ويجن يومًا, فإن تبعض زمانه بالجناية فكان يومًا ويومًا لزم الجاني عليه نصف الدية, وإن كان يعقل في يوم ويجن في يومين لزمه ثلثًا ديته.
فصل:
وأما الجناية التي يزول بها العقل فعلى ضربين:
أحدهما: أن تكون عن مباشرة.
والثاني: عن غير مباشرة.
فأما ما كان عن مباشرة فكضربة سيف أو رمية بحجر أو قرعة بعصا, أما على رأسه أو ما قرب من قلبه, فإذا ذهب بها العقل كان عن جنايته سواء أثر ذلك في جسده أو لم يؤثر, وكذلك لو لطمه بيده, أو ركله برجله حتى أزعجه بركلته أو لطمته التي يقول علماء الطب: إن مثلها يذهب العقل كان ذاهبًأ عن جنايته ومأخوذًا بديته, وأما ما كان عن غير مباشرة فكالإشارة إليه بسيف أو تقريب سبع أو إدناء أفعى فيذعر منه فيزول عقله به فيعتبر