إما أن يكون عندهم منها على أو لا يكون فإن لم يكن عندهم منها على لإشكالها وتجويزهم أن يكون بصرها ذاهبًا وباقيًا عملنا على قول المجني عليه دون الجاني, لأن ذهاب بصرها لا يعلم إلا من جهته, فجعل القول فيها قوله مع يمينه بعد الاستظهار عليه إذا كان بالغًا عاقلًا بأن يستقبل في أوقات غفلاته بما يزعج البصير رؤيته, ويشار إلي عينه بما يتوقاه البصير بإغماضها ويؤمر بالمشي من طريق الحظائر والآبار ومعه من يحوله منها وهو لا يشعر, فإذا دلت أحواله بأن لا يطبق طرفه بالإشارة إليه ولا يتوقى بئرًا إن كانت بين يديه صار ذلك من شواهد صدقه, فيحلف مع ذلك لجواز تصنعه فيه, ونقضي له بعد يمينه بالقود في العمد والدية في الخطأ, وإن كان يطيق طرفه عند الإشارة ويتوقى بئرًا إن كانت ويعدل عن حائط إن لقيه صارت شواهد هذا الظاهر منافيه لدعواه, فانتقل الظاهر إلي جنبه الجاني, فكان القول قوله مع يمينه بالله إن بصره لباق لم يذهب, لجواز أن يكون تحرز المجني عليه بالاتفاق, فاستظهر له باليمين, فإن كان المجني عليه صغيرًا أو مجنونًا لم يرجع إلي قولهما ولم يقبل دعواهما, لأنه لا حكم لهما, ووقف أمرهما إلي وقت البلوغ والإفاقة بعد حبس الجاني ليرجع إلي قولهما إذا بلغ الصبي وأفاق المجنون أو يموتان فيقوم مقامهما فيما يدعيانه من ذهاب البصر وإحلافهما عليه إن كان معهما ظاهر يدل عليه والله أعلم.
فصل:
وإن كان عند علماء الطب من حال العين فلا يخلو علمهم بها من حد أربعة أقسام:
أحدها: أن يشهد عدولهم ببقاء بصرها في الحال وفي ثاني الحال.
والثاني: أن يشهدوا ببقائه في الحال وجاوز ذهابه في ثاني حال.
والثالث: أن يشهدوا بذهابه في الحال وفي ثاني حال.
والرابع: أن يشهدوا بذهابه في الحال وجواز عوده في ثاني حال.
فأما القسم الأول: إذا شهدوا ببقاء البصر في الحال وما بعدها حكم بشهادة عدلين منهم فبرئ الجاني من القود والدية, ونظر في الجناية فإن كان لها أثر يوجب حكومة غرمها ولو يعزر, وإن لم يكن لها أثر عزر أدبًا ولم يغرم.
وأما القسم الثاني: إذا شهدوا ببقاء بصره في حال وجواز ذهابه في ثاني حال لم يخل خال تجويزهم لذهابه من أن يقدروه بمدة, أو لا يقدروه فإن قدروه بمدة فقالوا: يجوز أن يذهب سنة ولا يجوز أن يذهب بعدها, فإن ذهب فيها وإلا فقد سلم منها عمل على شهادتهم, ووقف المجني عليه سنة فإن ذهب بصره فيها كان الجاني مأخوذًا بالقود في العمد والدية في الخطأ, وإن ذهب بصره بعدها فلا شيء على الجاني, ويؤخذ بالحكومة إذا كان لجنايته أثر, ولا يعزر ولا حكومة إن لم يكن لها أثر ويعزر, فعلى هذا لو جني على عينه آخر ففقأها قبل ذهاب بصره كان الثاني هو المأخوذ فيها بالقود والدية