دون الأول, سواء فقأها قبل السنة أو بعدها, لأنه جني والبصر باق.
وأما القسم الثالث: إذا شهدوا بذهاب بصره في الحال وما بعدها فيحكم له بالقود في العبد إذا شهد من عدولهم رجلان, وبالدية في الخطأ إذا شهد منهم رجل وامرأتان, فلو عاد بصر المجني عليه بعد أن قضى له بالدية أو القود فالمذهب أن لا درك عليه بعودها فيما قضى له من قودها أو ديتها, لأن عودها بها من عطايا الله تعالى وهباته, وللشافعي في سن المثغور إذا قلعت واقتص منها أو أخذ ديتها, ثم عادت فيثبت قولان:
أحدهما: يلزمه رد ديتها, فعلى هذا اختلف أصحابنا في تخريجه إذا عاد بصرنا هل يلزمه رد ديتها أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: يلزمه ردها إذا عاد بصرها كما يلزمه ردها في السن.
والوجه الثاني: لا يلزمه رد الدية بعود البصر, ويلزمه ردها بعود السن.
والفرق بينهما أن عود السن معهود في جنسه, وعود البصر غير معهود في جنسه فاختلفا في الرد لاختلافهما في معهود العود, وعلى هذا لو اقتص من بصر الجاني فعاد بصره بعد القصاص لم يؤخذ بذهابه ثانية على الصحيح من المذهب, وهلل يؤخذ به على القول المخرج في السن أم لا؟ على الوجهين المذكورين لا يؤخذ به في أحدهما ويؤخذ به في الوجه الآخر ويقتص منه ثانية, فإن عاد بعدها اقتص منه أبدًا حتى يذهب فلا يعود.
والقسم الرابع: إذا شهدوا بذهاب بصره في الحال وجواز عوده في ثاني حال فلا يخلو حالهم فيه من أن يقدروا زمان عوده أو لا يقدروا, فإن لم يقدروا وقالوا: يجوز أن يعود إلي الأبد إلي وقت الموت من غير تحديد ولا إياس لم توجب هذه الشهادة توقفًا عن القصاص أو الدية وأخذ الجاني بهما في الحال, لأن استحقاقه مانع من تعليقه بشرط يفضي ثبوته إلي سقوطه.
وإن قدروا المدة وقالوا: يجوز أن يعود إلي سنة إن كان من ظلمة غطت الباطن ولا يجوز أن يعود بعدها, لأنه من ذهاب الباطن حبس الجاني, وقف البصر إلي سنة, فإن عاد فيها بريء الجاني من القود والدية, وكان مأخوذًا بحكومة الجناية إن أثرت, ولم يعزر, وإن لم تؤثر عزر ولم يغرم, وإن لم يعد في السنة حتى انقضت أخذ الجاني بالقود في العمد والدية في الخطأ, فعلى هذا لو جني عليه قبل انقضاء السنة آخر ففقأ عينه فدية البصر والقود فيه على الأول, دون الثاني, لأنه ذهب بجناية الأول, ولم يعد عند جناية الثاني فلو اختلف الأول والثاني فقال الأول: عاد البصر قبل جنايتك فأنت المأخوذ بالقود فيه أو الدية دوني.
وقال الثاني: بل كان البصر عند جنايتي على ذهابه فأنت المأخوذ فيه بالقود أو الدية دوني, فالقول قول الثاني مع يمينه دون الأول لأننا على يقين من ذهابه وفي شك من عوده. فإن ادعيا علم المجني عليه لم يخل حاله إن أجاب من أحد أمرين: إنما أن يصدق الأول أو الثاني فإن صدق الثاني أن بصره لم يعد حلف للأول وإن طلب (يمينه) , وقضى