أحدهما: أن يكون قد غشي جميع الناظر، وهو رقيق فصار مبصرًا أقل من بصره قبل البياض، فيعتذر من هذا معرفة منه بالبياض إلا أن يكون قد عرف مدى بصره قبل البياض فيعرف ما بقى منه بعده أو يكون ذلك في إحدى عينيه وقد اعتبر ذلك بالعين الصحيحة فيلزمه من الدية بقسطه، وإن لم يعرف ففيه حكومة.
والضرب الثاني: أن يكون البياض قد غشي بعض الناظر فلا يبصر بما غشاه ويبصر بما عداه فيلزم الجاني عليها إذا ذهب بصرها ما كان باقيًا منها من نصف أو ثلث أو ربع إذا عرف ذلك، وخير من أهل العلم بالبصر.
فصل:
وإذا ضرب عينه فأشخصها لم يخل حالها بعد الشخوص من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون بصرها باقيًا بحاله فيلزمه في إشخاصها حكومة يتقدر بقبح الأشخاص، ولا قصاص فيه لتعذره، ولا شيء عليه في البصر لبقائه.
والقسم الثاني: أن يذهب بصرها، فيلزمه جميع ديتها، ويجوز أن يقتص منه في ذهاب البصر دون الأشخاص، لأن القود فيه غير ممكن.
والقسم الثالث: أن يذهب بعض بصرها فيلزمه أكثر الأمرين من دية الذاهب من بصرها أو حكومة إشخاصها، ولا يجمع عليه بينهما، لاجتماع محلهما ويكون أقلهما داخلًا في الأكثر، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو قال: جنيت عليه وهو ذاهب البصر فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر".
وقال الحاوي: قد مضت هذه المسألة، وذكرنا حكم الأعضاء الظاهرة إذا اختلف الجاني والمجني عليه في سلامتها وعطبها، والعين من جملة الأعضاء الظاهرة، فإذا فقأ رجل عين رجل واختلف الفاقئ والمفقوء.
فقال الفاقئ: فقأتها وبصرها ذاهب. وقال المفقوء: بل كان سليمًا، فلا يخلو حال الفاقئ من أن يعترف له بتقدم السلامة أو لا يعترف، فإن لم يعترف له بها، وقال: خلقت ذاهب البصر فالقول قوله مع يمينه، لأن المفقوء يمكنه إقامة البينة على سلامة بصره، وإن اعترف له بالسلامة المتقدمة وادعى ذهاب بصره قبل جنايته ففيه قولان:
أحدهما: أن القول قول الفاقئ مع يمينه، لأن الأصل بقاؤه على سلامته حتي يقيم المفقوء البينة على سلامته عند الجناية.