والقول الثاني: أن القول قول المفقوء مع يمينه، لأن الأصل بقاؤه على سلامته حتى يقيم الفاقئ البينة على ذهاب بصره وأصل هذين القولين اختلاف قوليه في الملفوف إذا قطع، وقال الجاني: قطعته وكان ميتًا. وقال أولياؤه: كان حيًا. أو هدم على جماعة بيتًا وقال: هدمته عليهم وكانوا موتى، وقال أولياؤهم: كانوا أحياء ففيها قولان:
أحدهما: أن القول قول الجاني مع يمينه، لأن الأصل عدم القود وبراءة الذمة.
والثاني: أن القول قول الأولياء مع إيمانهم، لأن الأصل بقاء الحياة.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويسعها أن تشهد إذا رأته يتبع الشخص بصره ويطرف عنه ويتوقاه وكذلك المعرفة بانبساط اليد والذكر وانقباضهما، وكذلك المعتوه والصبي ومتى علم أنه صحيح فهو على الصحة حتى يعلم غيرها".
قال في الحاوي: وأصل الشهادة أنها لا تصح إلا بأقصى جهات العلم بها فإذا شهدوا بسلامة البصر وإن كان مما لا يشاهد فقد يقترن بالشهادة من أمارات العلم به ما لا يعترضه شك، وهو أن يراه يتبع الشخص ويسلك المعاطف ويتوقى الآبار، ويقرأ الكتب، ويتطرف عينه عن الأذى، فيعلم بهذه الأمارات والدلائل علمًا لا يدخله شك أن يبصر، فجاز أن يشهد له بسلامة بصره، وهكذا في سلامة اليدين والرجلين، إذا رآه يمشي على قدميه، ويقبض أصابع رجليه، ويعمل بيديه قبضًا وبسطًا، ورفعًا ووضعًا، علم بذلك سلامتها من شلل، فجاز أن يشهد له بالصحة، وهكذا الذكر وهو من الأعضاء يجوز إذا رآه ينقبض وينبسط أن يشهد له بالسلامة من الشلل، وذلك بأن يشاهده في إحدى ثلاثة أحوال:
إما في حال الصغر قبل تغليظ عورته، أو يشاهده في الكبر بالاتفاق من غير تعمد لمشاهدته، أو يكون طبيبًا قد دعته الضرورة إلى مشاهدته، فأما إن تعمد في الكبر للنظر بغير ضرورة فقد فسق، ولا يقبل للفاسق شهادة، وكذلك الشهادة للصبي والمعتوه بسلامة أعضائه، لأنه يستبدل عليها بحركات طبعه.
قال الشافعي رضي الله عنه: "ومتى يعلم أنه صحيح فهو على الصحة".
وشهد له شاهدان بها نظرت شهادتهما، فإن شهدا له بالصحة عند الجناية حكم بها، ولم يستحلف المجني عليه معها، لأن البينة تغني عن اليمين فيما تضمنته، وإن شهدا بالسلامة قبل الجناية ففي سماعها والحكم بها قولان من اختلاف قوليه فيمن علم بتقدم سلامتها هل يحكم فيها عند الجناية بقوله أم لا؟ على قولين:
أحدهما: لا يحكم بقوله، فعلى هذا لا تسمع الشهادة له بتقدم سلامته.