وجب في عين الأعور كمال الدية لوجب على من قلع عيني رجل واحدة بعد الأخرى أن تلزمه دية ونصف, لأنه قد جعله يقلع الأولى أعور فلزمه بها نصف الدية ويقلع الأخرى بعد العور جميع الدية ولم يقل به أحد, فدل على فساد ما اعتبروه, فأما الجواب عن احتجاجهم بالإجماع فمن وجهين:
أحدهما: أنه قد خالف فيه عائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن مغفل فلم يكن إجماعًا.
والثاني: أنه قد روي عن علي - عليه السلام - أنه رجع عما قالوا وخالفهم وأما قولهم إنه يدرك بالباقية ما كان يدركه بهما فعنه جوابان:
أحدهما: دفع هذه الدعوى, لأن الأعور لا يرى البعيد كرؤية ذي العينين وقد يكون بينهما ضعف المسافة فلم يسلم ما ادعوه.
والثاني: أنه لو أوجب هذا كمال الدية في العين الباقية لوجب مثله فيمن بقي سمعه من إحدى أذنية أن يلزم في ذهابه من الأذن الأخرى كمال الدية كمال قاله يزيد بن أبي زياد, لأنه يسمع بهما ما كان يسمع بهما ولم يقل بذلك في سمع الأذنين, فكذلك في ضوء العينين.
وأما قولهم: إن ضوء العين ينتقل من الذاهبة إلى الباقية ففاسد, لأنه لو كان كذلك لكان من قلع واحدة من عينين أن لا يلزمه ديتها لأن ضوءها قد انتقل إلى الأخرى فصار كالمجاني على عين لا ضوء لها, فلم يلزمه أكثر من حكومتها, وهذا مدفوع بالإجماع فدل على أن الضوء غير منتقل, وإنما يغمض الرامي إحدى عينيه, وكذلك الناظر في ثقب حتى لا ينتشر ضوء العينين ويقتصر على إحداهما ليستقيم تراجع السهم والثقب ولا يختلف السمت باختلاف النظرين, وأما فرقهم بين العوراء والقطعاء لفرق ما بينهما في الكفارة فقد كان الأوزاعي يسوي بينهما في كمال الدية ويقول: إن من قطعت يده في الجهاد كان الباقية إذا قطعت جميع الدية ونحن نسوي بينهما في أن كل واحدة منهما نصف الدية وأنت تخالف بينهما لافتراقهما في الكفارة وليس ذلك بصحيح, لأن من قطعت خنصر أصابعه يجزئ في الكفارة, ولا يدل على أن من قطع الكف بعد ذهاب خنصرها يلزمه جميع ديتها لإجزائها في الكفارة, كذلك عين الأعور.
فصل:
وإذا قلع الأعور عين بصير ذي عينين كان للبصير أن يقتص من الأعور, فإن عفا عنه كان له على الأعور نصف الدية.
وقال مالك: له أن يقتص من الأعور, فإن عفا عنه وجبه له على الأعور بعينه الواحدة جميع الدية, لأنه قد عفا الله عن جميع بصره, وهذا خطأ, لأن العفو عن القصاص يوجب دية العضو المجني عليه, لا دية المقتص منه, ألا ترى أن رجلًا لو قطع يد امرأة كان لها عليه أن تقتص من يده, فإن عفت عن القصاص كان لها دية يدها لا دية