تساويا في حكم الدية فهلا تساويا في القود فجاز أخذ اليمنى باليسرى, قيل: القود يعتبر فيه مع التساوي في الحكم التساوي في المحل وهما وإن اشتركا في الحكم فقد افترقا في المحل فكذلك لو استويا في الدية واختلفا في القود وكما لا تفضل اليمنى على اليسرى وإن اختلفتا في القود كذلك لا تفضل العليا على السفلى في الأنامل والأسنان وإن اختلفا في القود.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا عين أعور على عين ليس بأعور ولا يجوز أن يقال فيها دية تامة وإنما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في العينين الدية وعين الأعور كيد الأقطع".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: إذا فقئت عين الأعور ففيها دية عين واحدة وهي نصف الدية كعين من ليس بأعور وهو قول جمهور الفقهاء.
وقال مالك: فيها جميع الدية وهو قول الزهري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق, احتجاجًا بأنه قول الأئمة وإجماع أهل المدينة, روي عن عمر بن الخطاب, وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أنهم أوجبوا في عين الأعور الدية وأن علي بن أبي طالب - عليه السلام - خيره إذا كان للجاني عينان أن يقتص من إحداهما ويأخذ نصف الدية, وبين أن يعدل عن القصاص ويأخذ جميع الدية, وليس يعرف لقولهم مع انتشاره مخالف فكان إجماعًا, ولأن الأعور يدرك بعينه جميع ما يدركه ذو العينين, فإذا قلع عينه فقد أذهب بصرًا كاملًا فوجب أن يلزم فيه دية كاملة, وخالف يد الأقطع, لأنه لا يعمل بها ما كان يعمل بهما, ولذلك جاز في الكفارة عتق العوراء ولم يجز عتق القطعاء, ولأن ضوء العينين يحول فينتقل من إحدى العينين إلى الأخرى, ألا ترى أن من أراد تحديد نظرة في رمي أو ثقب أغمض إحدى عينيه ليقوي ضوء الأخرى فيدرك بها نظرًا لما يدرك مع فتح أختها, وإذا كان كذلك علم أن ضوء الذاهبة انتقل إلى الباقية فلزم فيها جميع الدية, ودليلنا رواية عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في العين خمسون من الإبل" ولم يفرق بين الأعور وغيره فكان على عمومه, وقول الصحابة يدفع بعموم السنة ولأنها عين واحدة لم تكمل فيها دية العينين كعين ذي العينين, ولأن كل واحد من عضوين إذا وجب فيهما نصف الدية مع بقاء نظيره وجب فيه ذلك النصف مع عدم نظيره كيد الأقطع, ولأنه لو قامت عين الأعور مقام عينين لوجب أن يقتص بها من عيني الجاني لقيامهما مقام عينيه, ولوجب إذا قلع عين الأعور إحدى عينين أن لا يقتص منه كما لا يقتص من عينين بعين, وفي الإجماع على خلاف هذا دليل على فساد ما قالوه؛ ولأنه لو