لأنها من الزوج مستحقة, وبهذا فرقنا بينهما, وأما استدلاله بحدوث سرايته عن فعل مباح فليس ما أدى إلى الإفضاء مباحًا, وجرى مجرى ضرب الزوج يستباح منه ما لم يؤد إلى التلف ولا يستباح ما أدى إليه, وهو يضمن من الضرب ما أدى إلى التلف فوجب أن يضمن بالوطء ما أدى إلى الإفضاء.
فصل:
وأما القسم الثاني: وهو أن يكون الإفضاء من وطء شبهة فيلزم الواطئ بالشبهة مهر المثل بالوطء, ودية الإفضاء, ولا يسقط أحدهما بالآخر, وقال أبو حنيفة: يلزمه دية الإفضاء ويسقط بها المهر استدلالًا بأن ضمان العضو بإتلاف يدخل فيه ضمان المنفعة كما يضمن يده إذا قطعها بما يضمنها به لو أشلها, ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها" فكان على عمومه, ولأنها جناية قد تنفك عن وطء فوجب أن لا يدخل المهر في أرشها, كما لو قطع أحد أعضائها, ولأنهما حقان مختلفان وجبا بسببين مختلفين فلم يتداخلا كالقيمة والجزاء, وهذا يمنع من جمعهم بين قطع اليد وشللها, فإذا ثبت الجمع بين مهر المثل ودية الإفضاء لم يخل حال المفضاة من أن تكون بكرًا أو ثيبًا, فإن كانت ثيبًا التزم مفضيها ثلاثة أحكام, مهر مثلها ودية إفضائها, وحكومة استرسال بولها, وإن كانت بكرًا التزم الأحكام الثلاثة, وهل يلتزم معها أرش بكارتها أو تكون داخلًا في دية إفضائها؟ على وجهين:
أحدهما: يلزمه أرش البكارة, لأنه يلزمه وإن لم يفضها فكان لزومه مع إفضائها أولى.
والوجه الثاني: لا يلزمه مع دية الإفضاء أرش البكارة, ويكون داخلًا في الدية, لأنها جناية واحدة فوجب أن يدخل حكم ابتدائها في انتهائها كدخول أرش الموضحة في دية المأمومة, وقول الشافعي: "لو أفضى ثيبًا كان عليه ديتها", ليس بشرط؛ لأن إفضاء البكر والثيب في الدية سواء.
فصل:
وأما القسم الثالث: وهو أن يكون الإفضاء من وطء زنا فلا يخلو حال الموطوءة من أن تكون مطاوعة أو مكرهة, فإن كانت مطاعة فليس لها مهر ولا أرش البكارة؛ لأنها مبيحة له بالمطاوعة غير مبيحة للإفضاء وإن أباحت ذهاب العذرة وعليها الحد, وإن كانت مكرهة وجب لها مهر دية الإفضاء, وفي وجوب أرش البكارة وجهان على ما مضى من وطء الشبهة يجب في أحدهما ولا يجب في الآخر وعليه حد الزنا