ذهاب الكلام بقطع اللسان وذهاب البصر بفقء العين لاختصاصهما بمحل الجناية, إذ ليس يصح أن يتكلم مع قطع اللسان ولا يبصر مع فقء عينه, فلذلك لم يضمنها بزيادة على أرش الجناية, والدليل على أن في الإفضاء دية كاملة أن الأعضاء الباطنة في الجسد أخوف على النفس من الأعضاء الظاهرة, فكانت بكمال الدية أحق, وهذا الحاجز من تمام الخلقة ومخصوص بمنفعة لا توجد في غيره, لامتياز الحيض ومخرج الولد عن مخرج البول؛ لأن الحيض والولد يخرجان من مدخل الذكر, فإذا انخرق الحاجز بالإفضاء زال بالجناية عليه ما لا يقوم غير مقامه فأشبه الأعضاء المفردة من اللسان والأنف ولأن الإفضاء بقطع التناسل؛ لأن النطفة لا تستقر في محلق العلوق لامتزاجها بالبول فجرى مجرى قطع الذكر والأنثيين وفي ذلك كمال الدية, فكذلك الإفضاء, فأما الاستشهاد بالجائفة فغير صحيح, لأن دية الجائفة الثلث لاندمالها, ولو لم تندمل لأفضت غلى النفس فكمل فيها الدية, والإفضاء غير مندمل فكملت فيه الدية ولو اندمل لما كملت فيه الدية ولوجب فيه حكومة فافترقا.
فصل:
فإذا ثبت ما ذكرنا من حكم الإفضاء فلا يخلو من أن يكون بوطء أو بغير وطء, فإن كان بغير وطء وهو نادر لما يخل من أن يندمل أو لا يندمل, فإن اندمل ففيه حكومة, وإن لم يندمل ففيه الدية, فإن اقترن به استرسال البول ففيه مع الدية حكومة, فإن اقترن بالإفضاء ذهاب العذرة مع البكر وجب فيه مع دية الإفضاء حكومة العذرة على غير الزوج ولم يجب فيه على الزوج حكومة؛ لأنه مستحق لإزالتها باستمتاعه فاستوى الزوج وغيره في دية الإفضاء وحكومة استرسال البول, ولم يكن لهذا الإفضاء تأثير في وجوب المهر على الأجنبي, ولا في كماله على الزوج, لخلوه من وطء وإن كان هذا الإفضاء بوطء وهو الأغلب لم يخل حالة من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يكون من زوج في نكاح.
والثاني: أن يكون من وطء شبهة.
والثالث: أن يكون من زنا.
فأما القسم الأول: وهو أن يكون من زوج في عقد نكاح فعليه دية الإفضاء وكمال المهر, وقال أبو حنيفة: إفضاؤها غير مضمون على الزوج, وليس عليه أكثر المهر, استدلالًا بأن ما استبيح من الوطء لم يضمن به ما حدث من استهلاك كزوال العذرة, ولأن الفعل المباح لا تضمن سرايته كالقطع في السرقة, ودليلنا: هو أنها جناية قد يتجرد الوطء عنها فلم يدخل أرشها في حكمه كالوطء بشبهة لا يسقط بالمهر فيه دية الإفضاء, ولأنها حقان مختلفان وجبا بسببين مختلفين؛ لأنه مهر مستحق بالتقاء الختانين ودية مستحقة بالإفضاء فجزا اجتماعهما كالجزاء والقيمة في قتل العبد المملوك, ولأن الجنايات إذا ضمنها غير الزوج ضمنها الزوج كقطع الأعضاء, ولا يدخل عليه العذرة؛