فيه الدية فهو خطأ منه فيما خالف فيه مذهب صاحبه من وجهين:
أحدهما: أنه استوي في الكبير حال ما تطول حياته بالصحة وحال من أشفي على الموت بالمرض في وجوب الدية والقود لاختصاصه بإفاته حياة محفوظة الحرمة في قليل الزمان وكثيره وجب أن يستوي حال الجنين فيمن تتم حياته أو لا تتم في وجوب الدية، لأنه قد أفات حياة وجب حفظ حرمتها في قليل الزمان وكثيره.
والثاني: أن وجوب الغرة في الجنين إنما كانت لأنه لم يعلم حياته عند الجناية وجاز أن يكون ميتاً قبلها، وإذا سقط حياً تحققنا وجوب عند الجناية فاستوي حكم قليلها وكثيرها.
مسألة:
قال المزني رضي الله عنه: "وقد قال: لو كان لأقل من ستة أشهر فقتله رجل عمداً فأراد ورثته القود فإن كان مثله يعيش اليوم أو اليومين ففيه القود ثم سكت. قال المزني كأنه يقول: إن لم يكن كذلك فهو في معنى المذبوح يقطع باثنين أو المجروح تخرج منه حشوته فتضرب عنقه فلا قود على الثاني ولا دية وفي هذا عندي دليل وبالله التوفيق ".
قال في الحاوي: وهذه مسألة أوردها المزني احتجاجاً لنفسه وهي حجاج عليه؛ لأن الشافعي قد أوجب القود والدية في المقتول لأقل من ستة أشهر إذا كانت فيه حياة قوية وإن لم تتم ولم يدم؛ لأنه لا يجوز أن يعيش في جاري العادة لأقل من ستة أشهر فبطل به ما وطنه المزني من غلط الناقل وما ذهب إليه من مخالفة الشافعي، ثم نشرح المذهب فيها فنقول:
لا تخلو حياة الملقي لأقل من ستة أشهر من أن تكون قوية أو ضعيفة، فإن كانت قوية تعيش منها اليوم واليومين فحكمه حكم غيره من الأحياء: إن قتله القاتل عمداً فعليه القود، وإن قتله خطأ فعليه الدية، وإن ضمنه الثاني بقود أو دية سقط ضمانه عن الضارب فلم يلزمه فيه غرة ولا دية، وكان مختصاً بضرب الأم وإجهاضها فلا يلزمه أرش ضربها إلا أن تؤثر في جسدها، وفي وجوب الحكومة عليه في إجهاضها قولان تقدما.
فإن كانت حياة الجنين ضعيفة لا يعيش بها أكثر من ساعة أو بعضها فهو في حكم التالف بالضرب المتقدم دون القتل الحادث، فتكون ديته على الضارب ولا يلزمه فيه قود بحال، ولا شيء على قاتله، ويكون في حكم من قطع مذبوحاً باثنين أو ضرب عنق مبقور البطن فخرج الحشوة، فيكون الأول قاتله دون الثاني، فيعزر ولا يلزمه غرم ولا كفارة، فلو وقع التنازع في حياته عنه قتل الثاني هل كانت قوية يضمنها الثاني أو ضعيفة يضمنها