وقد روى أبو قتادة أن أنساً رضي الله عنه "جهر في العصر، فلم يسجد"، ولأنه هيئة مسنونة، فلا يسجد لتركها كرفع اليدين. وعن أحمد: إذا بدل الجهر بالإسرار، روايتان: هل يسجد أم لا؟. وقال الأوزاعي: "إذا ترك التكبيرات المسنونة أتى بها إذا ذكرها"، وهذا غلط، لأن هذا ذكر مسنون، فلا يقضى بعد فوات محله كدعاء الاستفتاح.
وقال أبو حنيفة: "لا سجود في تكبيرات الانتقالات ولا في التسبيحات، ولكن يلزم في تكبيرات العيد، وترك قراءة السورة، أو تبديل الجهر بالإسرار"، واحتج بأن تكبيرات العيد ذكر كثير في محل واحد فأشبه التشهد الأول، وهذا غلط، لأنها تكبيرات مسنونة، فلا يسجد لتركها كتكبير الركوع والسجود، وما ذكره يبطل بدعاء الاستفتاح.
وقال ابن أبي ليلى: إذا بدل الجهر بالإسرار بطلت صلاته"، وهذا غلط لما روى أبو قتادة، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعنا أحياناً الآية والآيتين في صلاة الظهر والعصر"، ولأنه أخل بصفة في ذكر، فلا تبطل صلاته كما لو غير الجلوس في التشهد. وقيل: الصلاة تشتمل على أركان ومسنونات وهيئات، فالأركان والهيئات لا تجبر فعلاً كان أو قولاً، وإنما تجبر المسنونات المقصودة وتفصيلها معلوم على ما ذكرنا.
ونظيره الحج يشتمل على أركان: كالإحرام والطواف وهيئات كالرمل والاضطباع، ومسنونات: كالمبيت بمزدلفة، والرمي والمبيت بمنا. فالأركان والهيئات لا تجبر بالدم بخلاف المسنونات كذلك ههنا.
فرع
قال القفال: "لو سجد سجدة، 153 ب / 2 ثم تشهد على ظن أنه سجد سجدتين، ثم تذكر فسجد الثانية، فلا سجود عليه للهو بخلاف من قعد بين الركوع والسجود، فتشهد لأنه لم يزد على دعاء وما بين السجدتين محل الدعاء، فتطويله بالتشهد، أو دعاء غيره لا يضره". وقيل: السجدتان ليس محل القعود ولا الدعاء بحال، ويحتمل الخلاف هذا على قياس ما تقدم.
فَرْعٌ آخرُ
قال بعض أصحابنا بخراسان: لو شك بعد الفراغ من الصلاة أنه صلى ثلاثاً أو أربعاً، فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون شيئاً وتمت صلاته ولم يقل أهل العراق غير هذا، لأن الظاهر أنه أداها على التمام، ولو اعتبرنا حكم الشك بعدها شق ذلك وضاق.
والثاني: يتم الباقي فكأنه سلم ناسياً، فيقوم ويصلي ركعة أخرى، وإن تباعد الوقت