حال تركوا فيها القتال فقد فاؤوا وحرم قتالهم لأنه أمر أن يقاتل وإنما يقاتل من يقاتل فإذا لم يقاتل حرم الإسلام أن يقاتل فأما من لم يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا قاتلوه نادي منادي على رضي الله عنه يوم الجمل ألا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح وآتى على رضي الله عنه يوم صفين بأسير فقال له على لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعلياً فبهذا كله أقول وأما إذا لم يكن جماعة ممتنعة وحكمة القصاص قتل ابن ملجم عليا متأولا فأمر بجيشه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى عليه القتل وقتله الحسن بن علي رضي الله عنه وفي الناس بقية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فما أنكر قتله ولا عابه أحد ولم يقد على وقد ولى قتال المتأولين ولا أبو بكر من قتله الجماعة الممتنع مثلها على التأويل على ما وصفنا ولا على الكفر وإن كان بارتداد إذا تابوا قد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم ولم يضمن عقلا ولا قوداً فأما جماعة ممتنعة غير متأولين قتلت وأخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق. قال المزني رحمه الله: هذا خلاف قوله في قتال أهل الردة لأنه أكرمهم هناك ما وضع ههنا عنهم وهذا أشبه عندي بالقياس".
قال في الحاوي: أصل هذا: قول الله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} الحجرات: 9 {فَقَاتِلُوا} النساء: 76 يتضمن الأمر بقتالهم لا بقتلهم.
وقوله: {حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ} الجرات: 9 هو الغاية في إباحة قتالهم.
والفيئة في كلامهم: الرجوع، وهو على ثلاثة أضرب تتفق أحكامها وإن اختلفت أنواعها:
أحدها: أن يرجعوا إلى طاعة الإمام والانقياد لأمره، فهو غاية ما أريد منهم، وقد خرجوا به من البغي اسماً وحكماً، وصاروا داخلين في أحكام أهل العدل.
والثاني: أن يلقوا سلاحهم مستسلمين فالواجب الكف عنهم، لأن الله تعالى أمر الحرب متوجه إلى قتلهم، وفي أهل البغي إلى قتالهم.
والثالث: أن يولوا منهزمين فيجب الكف عنهم، ولا يتبعوا بعد هزيمتهم (0) فقد نادي منادى على يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح. وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليهم السلام، قال: دخل علي مروان فقال لي: ما رأيت أكرم غلبة من أبيك، ما كان إلا إن ولينا يوم الجمل حتى نادى مناديهن: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح.
ولما ولى الزبير عن القتال وخرج عن الصف، قال علي: أفرجوا للشيخ فانه محرم، فمضى وأتبعه عمرو بن جرموز حتى ظفر باغتياله فقتله بوادي السباع وأتى علياً برأسه،