فقال (علي): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بشر قاتل ابن صفية بالنار" فقال عمرو: أف لكم إن كنا معكم أو عليكم في النار، فقام وهو يقول:
أتيت علياً برأس الزبير وكنت أظن بها زلفتى
فبشر بالنار قبل الوعيد وبئس بشارة ذي التحفة
وولي طلحة بن عبيد الله، فلم يعرض له أحد من أصحاب علي حتى رماه مروان بن الحكم بسهم في أكحله فقتله، وكان في عسكر طلحة والزبير، فلما كان في الليل سار علي عليه السلام ومعه قنبر مولاه بمشعلة يتصفح القتلى، فمر بطلحة قتيلاً، فوقف عليه وبكى وقال: أعزز على أبا محمد أن أراك مجدلاً تحت نجوم السماء، إنا لله وإنا إليه راجعون، شفيت غيظي وقتلت معشري إلى الله أشكو عجري ويجري، ثم أنشأ يقول:
فتى كان يعطي السيف في الروع حقه إذا ثوب الداعي ويشقى به الجسور
فتى كان يدينه الغنى من صديقه إذ ما هو استغنى ويبعده الفقير
فصل:
فإذا تقرر أنهم لا يتبعون بعد انهزامهم فلا فرق بين المنهزم إلى غير دار يرجع إليها، وإلى غير إمام يعود إلى طاعته، وبين المنهزم إلى دار وإمام.
وقال أبو حنيفة: لا يتبع المنهزم إلى غير دار وإمام، ويتبع المنهزم إلى دار وإمام ويقتل إن ظفر به احتجاجاً: بأن علياً لم يقع من انهزم من أهل الجمل، لأنهم انهزموا إلى غير دار وإمام، واتبع من انهزم يوم صفين لأنهم رجعوا إلى دار وإمام. حتى روى أنه اتبع مدبرا ليقتله فكشف عن سوءته فكف على طرفه ورجع عنه.
قال: ولأن الانهزام مع بقاء الدار والإمام لا يكون رجوعاً عن البغي، ولا مانعاً من العود. ودليلنا: ما روي عن علي كرم الله وجهه أنه أتي بأسير يوم صفين، فقال له الأسير: أتقتلني صبراً. فقال: لا إني أخاف الله رب العالمين وخلى سبيله.
قال الشافعي: والحرب يومئذ قائمة، ومعاوية يقاتل جادل في أيامه كلها مستعلياً أو منتصفاً، يعني: مستعلياً بكثرة جيشه، أو منتصفاً بمساواة الجيش.
وأتى معاوية بأسير يوم صفين فأمر بقتله، فقال الأسير: والله ما تقتلني لله ولا فيه ولكن لحطام هذه الدنيا، فإن عفوت فصنع الله بك ما هو أهله، وإن قتلت فصنع الله بك ما أنت أهله فقال لهم عاوية: لقد سببت فأحسنت وخلى سبيل.
ولأن الإمام مأمور بالقتال لا بالقتل، والمولى غير مقاتل فلم يجز أن يقتل ولأن المراد بالقتال الكف والمولى كاف فلم يجز أن يتبع. فأما احتجاجه بندائه يوم الجمل دون صفين فعنه جوابان: