أحدهما: أنه أمر بالنداء في اليومين معاً أن لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح.
والثاني: أنه وإن فرق بين اليومين في النداء فلأن الحرب انجلت يوم الجمل. فتفرغ النداء، وكانت يوم صفين باقية فتشاغل بتدبير الحرب عن النداء. وأما طلبه للأسير، فقد كان ذلك عند اختلاط الصفوف وبقاء القتال. واحتجاجهم بجواز عوده فلا معنى لتعليق الحكم بعلة لم تكن، ويجوز أن لا تكون والله أعلم.
مسألة
قال الشافعي رحمه الله: "ولو أن قوماً أظهروا رأى الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفرهم لم يحل بذلك قتالهم بلغنا أن عليا رضي الله عنه سمع رجلا يقول لا حكم إلا لله في ناحية المسجد فقال علي رضي الله عنه كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا تمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا تمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال".
قال في الحاوي: أما الخوارج، فهم الخارجون عن الجماعة بمذهب ابتدعوه ورأي اعتقدوه، يرون أن من ارتكب إحدى الكبائر كفر وحبط عملهم واستحق الخلود في النار، وأن دار الإسلام صارت بظهور الكبائر فيها دار كفر وإباحة، وأن من تولاهم وجرى على حكمهم فكذلك. فاعتزلوا الجماعة وأكفروهم، وامتنعوا من الصلاة خلف أحد منهم، وسموا شراة، واختلف في تسميتهم على وجهين:
أحدهما: أنه تسمية ذم، ساهم به أهل العدل، لأنهم شروا على المسلمين وحاربوا جماعتهم.
والثاني: أنه تسمية حمد، سموا بها أنفسهم لأنهم شروا الدنيا بالآخرة أي باعوها. فإذا اعتقد قوم رأي الخوارج وظهر معتقدهم على ألسنتهم وهم بين أهل العدل غير منابذين لهم ولا متجرئين عليهم تركوا على حالهم ولم يجز قتلهم ولا قتالهم، ولم يؤخذوا جبراً بالانتقال عن مذهبهم والرجوع عن تأويلهم وعدل إلى مناظرتهم وإبطال شبهتهم بالحجج والبراهين وإن كانوا عليها مقرين، فقد أقرهم علي بن أبي طالب عليه السلام قبل أن يعتزلوه وسمع قائلهم يقول: لا حكم إلا لله تعريضا به في تحكيمه يوم صفين. فقال على: كلمة حق أريد بها باطل. وهذا أحسن جوابا لمن عرضي بمثل هذا القول. ثم قال: لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله إن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدأكم بقتال.
فجعل هذه الأحكام فيهم كهي في أهل العدل، واقتضى في ذلك سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين في كفه عنهم مع علمه بمعتقدهم لتظاهرهم بطاعته مع استيطان معصيته فإن