صرح الخوارج بسبب الإمام وسب أهل العدل: عزروا للأذى وذباً عن منصب الإمامة وإن عرضوا به من غير تصريح ففي تعزيتهم وجهان:
أحدهما: لا يعزرون، لأن علياً لم يعزر من عرض، لفرق ما بين التعريض والتصريح.
والثاني: أنهم يعزرون؛ لأن الإقرار على التعريض مفض إلى التصريح، فكان التعزير حاسما لما بعده من التصريح.
مسألة
قال الشافعي رحمه الله: " ولو قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إماما أو يظهروا حكما مخالفا لحكم الإمام كان عليهم في ذلك القصاص قد سلموا وأطاعوا والياً عليهم من قبل على ثم قتلوه فأرسل إليهم رضي الله عنه أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا كلنا قتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم".
قال في الحاوي: وهذا كما قال إذا اجتمع الخوارج في موضع تميزوا به عن أهل العدل، ولم يخرجوا عن طاعة الإمام، وقصدوا بالاعتزال أن ينفردوا عن مخالفهم ويتساعدوا على معتقدهم، كانت دارهم من جملة دار أهل العدل تقام عليهم الحدود وتستوفي منهم الحقوق ولا يدقوا بحرب ولا قتال ما لم يبدؤوا بالمنابذة والقتال.
فإن قتلوا عاملهم الوالي عليهم من قبل الإمام أو غيره من أعوان الإمام، ثم أظهروا خلع الإمام ونابذوه أجرى الإمام عليهم القصاص ولم يسقط عنهم بما أظهروا بعد القتل من الخلع والمنابذة، وكذلك ما استهلكوه من الأموال كانوا مأخوذين بضمانه فقد ولى علي بن أبي طالب عليه السلام على النهروان عامله عبد الله ين خباب بن الأرت وقد اعتزلوه فكان ناظراً فيهم كنظره في أهل العدل، إلى أن وثبوا عليه وقالوا: ما تقول في الشيخين أبي وعمر؟ فقال: ما أقول في خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمامي المسلمين قالوا: ما نقول في عثمان؟ فقال: في الست الأوائل خيراً. وأمسك على الست الأواخر فقالوا: ما تقول في علي بن أبي طالب. فقال: أمير المؤمنين وسيد المتقين فعمدوا إليه فذبحوه، فراسلهم علي أن سلموا إلى قاتله أحكم فيه يحكم الله قالوا: كلنا قتله. قال فاستسلموا لحكم الله، وسار إليهم، فقتل أكثرهم فدل هذا من فعله على أمرين:
أحدهما: جواز إقرارهم وإن اعتزلوا ما كانوا متظاهرين بالطاعة.
والثاني: وجوب القصاص عليهم، وأنه لا يسقط عنهم بخلع الطاعة.
فأما من قتلوه بعد خلع الطاعة وإظهار المنابذة ففي ضمانه عليهم قولان كغيرهم من أهل البغي.