وقتل عمار بن ياسر بصفين فغسله علي وصلى عليه. ولأنه مسلم قتله مسلم, فلم يمنه قتله من الصلاة عليه كالمقتول في غير المعركة.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله: "وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحم من أهل البغي وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر رضي الله عنه يوم أحد عن قتل ابنه".
قال في الحاوي: وهذا صحيح.
يكره للعادل قتل ذي رحم من أهل البغي وقتاله, ويعدل عنه إلي غيره لقول الله تعالى: {وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} لقمان 15 , ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة عن قتل أبيه يوم بدر, وكف أبا بكر عن قتل ابنه عبد الرحمن يوم أحد, ولأن فيه اعتيادًا للعقوق واستهانة بالحقوق.
ولأن له فسخة في أن يعدى عن ذي رحمه ويكل قتله أو قتله إلي غيره. فإن قتل ذا رحم له جاز, ولم يخرج وإن كره له. روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه مشركًا, وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه حتى ظهر في وجهه وقال: ما حملك على ذلك؟ قال: سمعته يسبك, ثم ولى منكسًا إلي أن نزل الله تعالى فيه عذره: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} المجادلة 22.
فصل:
فأما قول الشافعي: وأكره أن يعمد قتل ذي رحمه.
عمد القتل في قتال أهل البغي ينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون رميه عميًا يرمى إلي صفه سهمًا, لا يقصد به أحدًا بعينه, فيقتل به من أصابه فلا حرج عليه. وهذا أولى ما فعله العادل في قتاله, فيكون عامدًا في القتل غير متعمد للمقتول.
والثاني: أن يعمد قتل رجل بعينه, يقاتل أهل العدل وينكى فيهم هذا مباح لا حرج فيه عليه, لأنه قتل دفع.
والثالث: أن يعمد قتل رجل بعينه قد كف عن القتال, وهو واقف مع صفهم, ففي عمد قتله وجهان محتملان:
أحدهما: محظور, لأن القصد بقتالهم الكف, وهذا كاف فصار كالأسير الذي يحرم اعتماد قتله.