يقلب الله تعالى عينها، وحكمها أو نقول: النجاسة ضربان: دم وغير دم. فأما غير الدم، إن كان قدرا يدركه الطرف، فلا يعفى عنه قليلا كان أو كثيراً إلا أثر الاستنجاء وحكم ما لا يدكره الطرف، قد ذكرنا. وأما الدم، فجميع الدماء نجش بلا خلاف إلا دم السمك على ما ذكرنا فيما قيل، وإذا ثبت أن كلها نجس، فإن كان دم ما ليست له نفس سائلة كالبراغيث والقمل والذباب والزنابير والبق، فاليسير معفو عنه قولاً واحداً.
وأما الكثير منه الخارج عن العرف والعادة، فإن طبق الثوب ذلك، فغيه وجهان. المذهب أنه معفو عنه لأن الكثير منه نادر، فكان ملحقا بمعتاده كرخص السفر ثبتت للمسافر، وإن كان مرفهاً في سفره لا مشقة عليهء ولأن من يبيت في ثيابه لا يسلم من كثيره، وفي الاجتناب عنه فيق وحرج.
والثاني: وهو اختيار الإصطخري لا يعفى عنه لأنه لا مشقة عليه في الاحتراز عنه. وقال أبو حنيفة وأحمد: "هو طاهر لأنه دم غير مسفوح، فأشبه الكبد"، وهذا غلط لظاهر قوله تعالى: {وَالدَّمَ} البقرة: 173 ولم يفصل. وأما قوله: ليس بمسفوح خطأ، بل هو مسفوح سائل، ولكنه لا ينسفح لقلته، وان كان دم ما له نفس سائلة كالآدمي وغيره من الحيوان فقد نص فيه على قولين.
قال في "الإملاء": "حكمه حكم البول والغائط، فلا يعفى عن قليله وكثيره". وقال في "القديم" و"الأم": "يعفى عن قليله دون كثيره"، فإذا قلنا: يعفى عن قليله. 168 ب / 2 اختلف قوله في حق القليل، فقال في "الأم": "القليل هو اليسير كدم البراغيث، لأن يتعافونه ويتجاوزونه، ولا يعفى عن قار الدرهم والدينار". وهذا أصح، لأنه يشق الاحتراز من يسيره كما في دم البراغيث.
وقال في "القديم": "إن كان دون الكف لم يجب غسله، وإن كان قدر الكف أو أكثر وجب غسله، ولا تجوز الصلاة فيهء وفيه قدر لمعة". وقيل: إن اجتمع في موضع قدر راحته، لا يعفى، وان كان متفرقا في بدنه أو ثوبه كدم البراعيث يعفى.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: قال الشافعي في موضع: "القليل دينار"، وقال في موضع: "قدر لمعة". وقال في موضع "قدر كف". والعبارات ترجع إلى معنى واحدٍ، وإنما اختلفت عباراته لاختلاف دم البراغيث باختلاف الزمان، فتكثر في الصيف وتقل في الشتاء. وفي هذا نظر، والصحيح ما تقدم.
وقال أصحابنا: هذا في دم يصيبه من نفسه من الحك والبثرة والجرب والفصد والحجامة، فأما الدم الذي يصيبه من غيره من الآدمي أو البهيمة، فلا يعفى عنه أصلاً. وهذا صحيح على ما ذكرنا، وقيل: في الكل قولان. وهذا الفصل لا يعرف عن الشافعي بل نص في كتبه على ما بيناه، ولم يفصل، وقيل: إذا قلنا بهذا التفصيل لا يعفى عن دم الحجامة والفصد أصلاً، لأنه يمكن الاحتراز منه، وهو ضعيف عندي.