وقال القفال: هذا مستحب على أن العلة في عفو دم البراغيث، ماذا؟ فإن قلنا: القلة، فلا فرق، وإن قلنا: الابتلاء به وتعذر الاحتراز منه، فيفصل هكذا. وأما الصديد والقيح نص في عامة كتبه: أنه كالدم، وقيل: قال في موضع من "الأم": "هو أخف حالاً، ولكنه متى بلع لمعة وجب غسله".
وقال أبو حامد رحمه الله: "المذهب الأولى، وما قال في "الأم": لا يحكى، وهذا لأنه مستحيل، كالدم". وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أرخص في 169 أ / 2 دم الحنون"، أي: الدمل، وأما ماء القروح، فهو كالعرق يظهر عليه، وينزل عنه، فإن كان له رائحة فهو كالدم، وإن لم يكن له رائحة نص في "الإملاء" ما يدل على أنه طاهر كالعرق. وقال في موضع من "الإملاء": "إنه يجري مجرى الصديد والقيح"، فحصل فيه قولان. والمذهب الأول.
وقال مالك وأحمد: "يعفى عن الدم ما لم يتفاحش". وروي عن أحمد أنه قال: "البثر متفاحش". وروي عنه أنه قال: "النقطة والنقطتان معفو. وهذا غلط، لأن ما دون الشبر متفاحش في العادة، فيجب أن لا يعفى عنه.
وقال مالك: "المتفاحش نصف الثوب". وقال الأوزاعي والنخعي: "يعفى عن أقل من درهم"، وأما ونيم الذباب فنجش، ولكنه يعفى عنه في الثوب، كما قلنا في دم البراغيث، لأن الابتلاء به موجود كدم البراغيث. وعند أبي حنيفة رحمه الله هو طاهر. وقيل: حد النجاسة كل عين حرم تناوله على الإطلاق مع إمكان التناول لا لحرمته، وإنما حددنا بتحريم التناول، لأن الله تعالى قال: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} إلى قوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} الأنعام: 145، فجعل النجاسة علة تحريم الكل، ولا يلزم السم، لأنه لا يحرم قليله الذي لا ضرر فيه ولا يلزم الحجر ولحم الآدمي للاحتراز، فإذا تقرر هذا، فلو صلى مع نجاسة عير معفو عنها نظر، فإن صلى مع العلم بها جاهلاً لحكمها لم تنعقد صلاته، وإن صلى فلما فرغ من الصلاة علم بها فيه ثلاث مسائل:
إحداهما: إن فرغ منها ثم شك، هل كانت موجودة حال الصلاة أم لا؟ مثل إن كانت رطبة يحتمل أن تكون إصابته بعد الصلاة، ويحتمل أن تكون أصابته في الصلاة، لا يلزمه الإعادة، لأن الصلاة المحكوم بصحتها ظاهراً لا تبطل بالاحتمال.
والثانية: شاهد النجاسة على ثوبه أو بدنه، ولم يغسلها، ولم يذكرها حتى فرغ 169 ب / 2 من الصلاة، فالمذهب أن عليه الإعادة، لأنه مفرط في إزالتها. ومن أصحابنا من قال: لا إعادة عليه في قوله "القديم"، خرجه القافي أبو حامد رحمه الله، كالذي نسي الماء في رحله فتيمم وصلى لا يلزمه الإعادة في قول ضعيف.
والثالثة: لما فرغ من الصلاة علم بها ولم يعلم بها قبل ذلك، ولكنه تحقق أنها كانت في الصلاة مثل أن شاهدها يابسة، ففيه قولان. قال في "الجديد": "لم تنعقد