مالك: يعجل قسمة الأموال في دار الحرب ويؤخر قسم السبي إلي دار الإسلام، واستدل من منع قسمها
في دار الحرب برواية مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بعد مقدمه
إلي المدينة وأعطى عثمان وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف منها، ولأن عبد الله بن جحش حين غنم ابن الحضرمي بعد قتله لم يقسم غنيمته حتى قدم بها المدينة، وكانت أول ما غنمه المسلمون
قالوا: وقد روى مكحول قال: ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمته قط في دار الحرب ولا يقول مكحول هذا قطعًا وهو تابعي إلا عن اتفاق الصحابة، قالوا: ولأنها في دار الحرب تحت أيديهم، واستدامة قبضتهم، فوجب أن يمنعوا من قسمها كما منعوا من بيع ما لم يقبض، ولأنها في دار الحرب معرضة للاسترجاع فلم يجز قسمها كما لو كانت الحرب قائمة.
ودليلنا ما رواه الشافعي بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل ابن مسعود سيف أبي جهل
ببدر، والنقل من القسم.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بدر في
ثلاثمائة وخمسة عشر رجلًا حفاة عراة جياعًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنهم
حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم". فانقلب القوم حيث انقلبوا ومع كل واحد منهم الحمل والحملان، وقد كساهم، وأطعمهم، وانقلابهم من بدر بهذا يكون بعد القسمة، فدل على أنه قسمها ببدر.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بني المصطلق يوم المريسيع على مياههم، ووقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس فاشتراها منه، وأعتقها وتزوجها، وقسم غنائم خيبر لها، وعامل عليها أهلها، وقسم غنائم حنين مع السبي بأوطاس، وهو وادي حنين، وأعطى منها المؤلفة قلوبهم، وقد نقل أهل السير والمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غنم غنيمة قط إلا قسمها حيث غنمها، ولأن كل موضع صحت فيه الغنيمة لم يمنع فيه من القسمة كدار الإسلام، ولأن كل غنيمة صح قسمها في دار الإسلام لم تكره قسمتها في دار الحرب تعجيل الحقوق إلي مستحقيها، فكان أولى من تأخيرها، ولأن حفظ ما فسم أسهل والمؤونة في نقله أخف فكان أولى.
فأما الجواب عن حديث ابن عباس: أنه قسم غنائم بدر بالمدينة فمن وجهين:
أحدهما: أنا روينا خلافه، فتعارضت الروايتان.
والثاني: أن المهاجرين والأنصار تشاجروا فيها، فأخرها لتشاجرهم، حتى جعلها