وفدى النبي عليه السلام رجلًا من المسلمين برجلين من المشركين"
قال في الحاوي: الأسرى ضربان: ذرية، ومقاتلة.
فأما الذرية فهم النساء والصبيان، فلا يجوز قتلهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان، ويتسرقون على ما سيأتي حكمه، وأما المقاتلة فهم الرجال، وكل من بلغ من الذكور فهو رجل، سواء اشتد وقاتل أم لا يكون الإنبات فيهم بلوغًا، أو في حكم البلوغ، على ما مضى من القولين لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم أن من جرت عليه المواسي قتل ومن لم تجر عليه استرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعه" يعني سبع سموات، والإمام في رجالهم إذا أقاموا على شركهم مخير بين أربعة أحكام يجتهد فيها رأيه، ليفعل أصلحها، فيكون خيار نظر واجتهاد لا خيار شهوة وتحكم.
وخياره في الأربعة بين أن يقتل، أو يسترق، أو يفادي على مال أو أسرى، أو يمن بغير فداء، وقال أبو يوسف: يكون مخيرًا بين ثلاثة أشياء: أن يقتل، أن يسترق، أو يفادي على مال أو أسري، ليس له أن يمن.
وقال مالك: يكون مخيرًا بين ثلاثة أشياء: أن يقتل، أو يسترق، أو يفادي على مال، ولا يجوز أن يفادي بأسرى، ولا أن يمن.
وقال أبو حنيفة: يكون مخيرًا بين شيئين: أن يقتل، أو يسترق، ولا يجوز أن يفادي، ولا أن يمن، فصار القتل والاسترقاق متفقًا عليهما، أما القتل فلقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدتُّمُوهُمْ} وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط صبرًا يوم بدر، فقال يا محمد: من للصيبة، فقال: النار، وقتل النضر بن الحارث يوم بدر صبرًا.
وأما الاسترقاق فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استرق سبي بني قريظة وبني المصطلق، وهوازن يوم حنين. وأما الفداء والمن، واستدل أبو حنيفة على المنع منهما بقول الله تعالى في فداء أسرى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}، يعني العمل بما يفضي إلي ثواب الآخرة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور فيهم أصحابه، فأشار أبو بكر باستبقائهم، وأخذ فدائهم لهل الله أن يهديهم، وأشار عمر بقتلهم، لأنهم أعداء الله، وأعداء رسوله، فعمل على قول أبي بكر، وفادى كل أسير بأربعة آلاف درهم، فأنكر الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ما فعله من الفداء، وقال: {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وفيه تأويلان:
أحدهما: {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ} أنه سيحل المغانم لكل {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من فداء الأسرى عذاب عظيم قال ابن عباس. والثاني: "لولا كتاب من الله سبق" أن لا يؤاخذ أحدًا بعمل أتاه على جهالة