{لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء {عَذَابٌ عَظِيمٌ} قاله ابن إسحاق: قال: وإذا منع من الفداء كالمنع من المن أولى والدليل على جواز المن والفداء قول الله تعالى: {فَإذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}. وفيه تأويلان:
أحدهما: أنه ضرب رقابهم صبرًا بعد القدرة. والثاني: أنه قتالهم ألمفض إلي ضرب رقابهم في المعركة {حَتَّى إذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ} يعني بالإثخان الجراح، وبشد الوثاق الأسر، ثم قال بعد الأسر: {فَإمَّا مَنًا بَعْدُ وإمَّا فِدَاءً} والمن العفو، والفداء ما فودي به الأسير من مال أو أسير، ثم قال: {حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا} فيه تأويلان:
أحدهما: أوزار الكفر بالإسلام.
والثاني: أثقال السلاح بالظفر فورد بإباحة المن والفداء نص القرآن الذي لا يجوز دفعه ثم جاءت به السنة، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على ثمامة بن أثال بعد أن ربطه إلي سارية المسجد أسرًا، فمضى وأسلم في جماعة من قومه، وحسن إسلامه ومن على أبي عزة الجمحي يوم بدر، وشرط عليه أن لا يعود لقتاله، فلما عاد إلي مكة قال: سخرت من محمد، وعاد إلي قتاله في أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يلفت فما أسر يومئذ غيره، فقال: امنن علي فقال: "هيهات، ترجع إلي قومك فتقول سخرت من محمد مرتين لا يدع المؤمن من حجر مرتين" وضرب عنقه وليس هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الخبر، لأن المؤمن قد يلدغ من جحر مرتين، وإنما هو على طريق التحذير.
ويدل على إباحة الفداء بالأسرى، ما رواه عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى يوم بدر رجلًا برجلين، وعلى الفداء بالمال ما فادى به أسرى بدر.
فإن قيل: فقد أنكره الله تعالى عليه فعنه جوابان:
أحدهما: أنه أنكره عليه قبل ورود إباحته، وقد وردت الإباحة فزال الإنكار.
والثاني: أنه قيد إنكاره بشرط، وهو قوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} وفي إثخانه دليلان:
أحدهما: أنه كثرة القتل.
والثاني: الاستيلاء والظفر وقد أنعم الله تعالى بهما، فزال الإنكار وارتفع المنع.
فصل:
فإذا ثبت أن الإمام أو أمير الجيش مخير في الأسرى بين أربعة أشياء، يفعل منها أصلحها في كل أسير، فعليه أن يقدم عرض الإسلام عليهم، فإن لم يسلموا نظر فيمن كان منهم عظيم العداوة شديد النكاية فهو المندوب إلى قتله فيقتله صبرًا, يضرب العنق لقول