الله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ}.
وقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} ولا يمثل به لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وقال: "إن الله كتب عليكم الإحسان في كل شيء حتى في القتل فإذا قتلته فأحسنوا القتلة".
فإن قيل: فقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، فقطع أيديهم وأرجلهن، وسمل أعينهم، وألقاهم في حر الرمضاء، فعنه جوابان:
أحدهما: أنه فعل ذلك في متقدم الأمر ثم نهى.
والثاني: أنه فعل ذلك بهم جزاء وقصاصًا، لأنهم قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثلوا به فقاتلهم عليه بمثله وقد قال الله تعالى: {وإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}. ولا يجوز أن يحرقهم بالنار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بعذاب الله غير الله". فإن قيل: فقد جمع خالد بن الوليد حين قاتل أهل الردة باليمامة جماعة من الأسرى وألقاهم في حفيرة وأحرقهم بالنار، وأخذ رأس زعيمهم فأوقده تحت قدره، قيل عنه جوابان:
أحدهما: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أنكرا ذلك من فعله وبرئا إلي الله من فعله.
والثاني: أنها كانت حالًا لم ينتشر فيها حكم النهي، ففعل خالد من ذلك ما اقتضاه حكم السياسة عنده، لأنه كان في متقدم الإسلام، وكانوا أول قوم تظاهر بالردة بعد قبض الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا بمسيلمة الكذاب، فأظهر لما فعل من إحراقهم بالنار أعظم العقوبات لارتكابهم أعظم الكفر ثم علم بالنهي فكف وامتنع، فإن ادعى ولحد من أمر الإمام بقتله أنه غير بالغ نظر، فإن لم ينبت شعر عانته قبل قوله، وإن نبت شعر عانته لم يقبل قوله بغير بينة، وفي قبول قوله مع البينة قولان بناء على اختلاف قوليه في الإنبات هل يكون بلوغًا أو دلالة عليه.
فإن قيل: إنه بلوغ لم تسمع بينته وقتل، وإن قيل: إنه دلالة على البلوغ سمعت بينته أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة ولم يقتل فهذا حكم القتل.
فصل:
وأما الاسترقاق فمن علم أنه قوي البطش ذليل النفس فهو من أهل الاسترقاق وله حالتان:
إحداهما: أن يكون ممن يجوز إقراره بالجزية كأهل الكتاب من اليهود والنصارى، أو من له شبهة
كتاب كالمجوس فيجوزن أن يسترق، يقر على كفره بالرق كما يقر عليه بالجزية
والثانية: أن يكون ممن لا يقر على كفره بالجزية كعبدة الأوثان، ففي جواز إقراره