على كفره بالاسترقاق وجهان:
أحدهما: وهو الظاهر من مذهب الشافعي وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يجوزن أن يسترق، ويقر على كفره بالرق، وإن لم يقر عليه بالجزية، لأن كل من جاز إقراره بالأمان جاز إقراره بالاسترقاق، كالكتابي طردًا وكالمرتد عكسًا.
والثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري إنه لا يجوز إقراره بالاسترقاق، كما لا يجوز إقراره بالجزية، ويبقى خيار الإمام فيه بين القتل أو الفداء أو المن، ولا فرق على كلا الوجهين بين العرب منهم والعجم.
وقال أبو حنيفة: إن كانوا عجمًا جاز استرقاقهم وإن كانوا عربًأ وجب قتلهم ولا يجوز استرقاقهم لمبالغة العرب في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإخراجه من بلده، فصاروا بذلك أغلظ جرمًا وصار قتلهم محتمًا، وهذا خطأ لأمرين:
أحدهما: أن الاسترقاق عقوبة تتعلق بالكفر، فوجب أن يستوي فيها العربي والعجمي كالقتل.
والثاني: أن كل كافر جاز استرقاقه إذا كان أعجميًا، جاز استرقاقه إذا كان عربيًا كأهل الكتاب
فهذا حكم الاسترقاق.
فصل:
وأما الفداء بمال، فمن علم أنه كثير المال، مأمون العاقبة وافتدى نفسه بمال، قبل منه الفداء، وأطلق عليه، وكان المال المأخوذ منه غنيمة تقسم بين الغانمين، ويكون الذي استأ سره في فدائه وغيره من الغانمين سواء كما يكون الغانم للمال وغيره فيه سواء.
فإن قيل: فقد كان فداء أسرى بدر بأخذه من استأ سرهم، ولذلك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص بن الربيع، وقد أسر يوم بدر، وهو زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنفذت في جملة فدائه قلادة كانت لها جهزتها بها خديجة، فلما أبصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها ورق لها، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا فلولا حقهم فيه لتفرد بالرد ولما سألهم فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدهما: أنه قال: ذلك استطابة لقلوبهم وإن كان أمره فيه نافذًا.
والثاني: أنه كان قبل أن يستقر حكم الأسري والغنائم.
والثالث: أنه حق لجميعهم لا لواحد منهم فاستطاب نفوسهم فيه. وأما الفداء والأسرى: فهو لمن كان في أيدي قومه أسرى من المسلمين، وهو مشفقون عليه من الأسرى ومفتدون له بمن في أيديهم فيفادي به من قدر عليه من أسرى المسلمين والأولى أن يأخذ به أكثر منه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى كل رجل من المشركين برجلين من المسلمين، فإن لم يقدر أن يفادي كل رجل إلابرجل جاز ولو دعته الضرورة أن يفادي رجلين من المشركين برجل من المسلمين فعل، فهذا حكم الفداء.