فصل:
وأما المن بغير الفداء، فهو فيمن علم منه ميلًا إلي الإسلام، أو طاعة في قومه يتألفهم به فهو الذي يمن عليه كما من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمامة بن أثار فعاد مسلمًا في عدد من قومه، وينبغي أن يستظهر عليه بأن يشترط بأن لا يعود إلي قتله، كما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي عزة الجحيمي، فلم يف به وعاد لقتاله، وظفر به فضرب رقبته. فأما إن كان في الأسرى عبد لم يجز أن يمن عليه، لأنه مال كما لا يجوز أن يرد عليها غنائمهم ولم يحتج إلي استرقاقه؛ لأنه مسترق، وكان الإمام فيه بالخيار بين أن يقسمه بين الغنائم مع الأموال، وبين أن يقتله إن خالف عاقبته، ويعوض الغانمين عنه، لأنه مال بخلاف من قتله من الأحرار، وبين أن يفتدي به أسرى من المسلمين، ويعوض عنه الغانمين وسنذكر من أسلم.
فصل:
فإن قتل مسلم هذا الأسير فلا يخلو حال قتله من أحد أمرين. إما أن يكون بعد نفوذ حكم الإمام فيه أو يكون قبله فإن قتله بعد نفوذ حكم الإمام فيه، فلا يخل حكمه من أحد أربعة أحكام:
أحدها: أن يكون قد حكم بقتله، فلا ضمان على قاتله، لكن يعزر لافتيانه على الإمام في قتل من لم يأمره بقتله وأن كان قتله مباحًا.
والثاني: أن يكون الإمام استرقه فيضمنه قاتله بقيمته عبدًا، وتكون القيمة من الغنيمة تقسم
بين الغانمين.
والثالث: أن يكون الإمام قد فادى به على مال أو أسرى فهذا على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يقتله قيل فرض الإمام فدا، فيضمن ديته من مال الغنيمة، لأنه صار له بالفداء
أمان فضمن ديته وصار بقاء الفداء موجبًا لصرف الدية إلي الغنيمة.
والثاني: أن يقتله بعد فرض الإمام فداء وقبل إطلاقه فيضمنه بالدية لورثته دون الغانمين
لاستيفاء فدائه.
والثالث: أن يقتله بعد قبض فدائه، وإطلاقه إلي مأمنه فلا ضمان عليه لعوده إلي ما كان عليه
قبل أسره.
والقسم الرابع: من أقسام الأصل أن يكون الإمام قد من عليه فقتله بعد المن، فهذا على
ضربين:
أحدهما: أن يقتله قبل حصوله في مأمنه فيضمنه بالدية لورثته.
والثاني: أن يقتله بعد حصوله في مأمنه فلا يضمن ويكون دمه هدرًا. وأما إذا قتله قبل أن يقضي الإمام فيه بأحد هذه الأحكام الأربعة فلا ضمان عليه لكن يعزر أدبًا، وقال الأوزاعي: يضمنه بالدية للغانمين لافتياته عليهم، وهذا خطأ لأمرين: