فِئَةً فَاثْبُتُوا}. فأمر بمسايرة بعد لقائه، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا}. وفيه تأويلان:
أحدهما: اصبروا على طاعة الله، وصابرو أعداء الله، ورابطوا في سبيل الله، وهذا قول الحسن وقتادة.
والثاني: اصبروا على دينكم، وصابرو الوعد الذي وعدكم، ورابطوا عدوي وعدوكم وهذا قول محمد بن كعب.
وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. أي لتفلحوا وفيه تأويلان:
أحدهما: لتؤدوا فرضكم.
والثاني: لتنتصروا على عدوكم
وأصل هذا أن الله تعالى أوجب في ابتداء فرض الجهاد على كل مسلم أن يصابر في القتال عشرة من المشركين بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} وفيه تأويلان:
أحدهما: لا يعلمون ما فرض الله عليكم من الإسلام.
والثاني: لا يعلمون ما فرض الله عليكم من القتال، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك عنهم، عند كثرتهم، واشتدت شوكتهم لعلمه بدخول المشقة عليهم، فأوجب على كل مسلم لاقى المشركين محاربًا أن يقف بإزاء عشرة تخفيفًا ورخصة بقوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وإن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وفيه تأويلان:
أحدهما: بمعونة الله.
والثاني: بمشيئة الله {واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وفيه تأويلان:
أحدهما: مع الصابرين على القتال في معونتهم على عدوهم.
والثاني: مع الصابرين على الطاعة في قبول عملهم وإجزال توابهم، فصار فرضًا على كل رجل مسلم لاقى عدوه زحفًا في القتال أن يقاتل رجلين مصابرًا لقتالهما ولا يلزمه مصابرة أكثر من رجلين، وليس المراد به الواحد إذا انفرد أن يصابر قتال رجلين وإنما المراد به الجماعة من المسلمين إذا لاقوا عدوهم أن يصابروا قتال مثلي عددهم هذا مذهب الشافعي، وبه قال عبد الله بن عباس.
وقال أبو حنيفة: هذا إخبار من الله تعالى عن حالهم، موعد منه إذا صابروا مثلي عددهم أن يغلبواوليس بأمر مفروض اعتبار بلفظ القرآن، وأنه خارج مخرج الخبر دون الأمر. وقال الحسن البصري، وقتادة: هو خارج مخرج الأمر، لكنه خاص في أهل بدر