دون غيرهم، وكلا القولين فاسد، لأنه لو خرج مخرج للخبر لم يجز أن يكون بخلاف مخبره، وقد يوجد أحياناً خلافه، ولم يجز أن يختص بأهل بدر لنزول الآية، بعد بدر، وأن من قاتل ببدر إن لم نخفف عنهم لم يغلظ عليهم، فثبت أنه أمر من الله تعالى محمول على العموم.
فصل:
فإذا تقرر أن فرض المصابرة في تقال المشركين أن يقفوا مصابرين لقتالهم مثلهم، ولا يلزمهم مصابرة أكثر من مثلهم فلهم في القتال حالتان:
إحداهما: أن يرجوا الظفر بهم إن سابروهم فواجب عليهم مصابرة عدوهم حتى يظفروا بهم، سواء قلوا أو كثروا، وهذا أكثر مراد الآية.
والثاني: أن لا يرجوا الظفر بهم، فهاهنا يعتبر المشركون، فان كانوا أكثر من مثلي المسلمين جاز أن يولوا المسلمين عنهم، ويرجعوا عن قتالهم فلن أقاموا على المصابرة والقتال كان مقامهم أفضل إن لم يتحققوا التلف وفي جوازه إن تحقق وجهان:
أحدهما: يجب عليهم أن يولوا ولا يجوز أن يصابروا
والثاني: يجوز لهم أن يصابروا، ولا يجب عليهم أن يولوا، وهذا الوجهان بناء على الاختلاف الوجهين فيمن أريدت نفسه، هل يجب عليه المنع عنهما أم لا؟ على وجهين، وإن كانوا مثلي المسلمين فأقل حرم على المسلمين أن يولوا عنها وينهزموا منهم إلا في حالتين:
إحداهما: أن ينحرفوا لقتال.
والثانية: أن يتحيزوا إلى فئة لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ومَاوَاهُ جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ} فدل هذا الوعيد على أن الهزيمة لغير هذين من كبائر المعاصي، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فذكر فيها الفرار من الزحف.
وروي عن ابن عباس أنه قال: "من فر من ثلاثة لم يفر، ومن فر من اثنين فقد فر".
فأما التحرف للقتال فهو أن يعدل عن القتال إلى موجع هو أصلح للقتال، بأن ينتقل من مضيق إلى سعة، ومن حزن إلى سهولة، ومن معطشة إلى ماء، ومن استقبال الريح والشمس إلى استدبارهما، ومن موضع كمين إلى حرز أو يولي هاربة ليعود طالباً، لأن الحرب هرب وطلب وكر وفنا فهذا وما شاكلة هو التحرف لقتال.
وأما التحيز إلى فئة فهو أن يولي لينضم إلى طائفة من المسلمين ليعود معهم محارباً وسواء كانت الطائفة قريبة أو بعيدة.
قال الشافعي: "قريبة أو مبينة" يعني متأخرة، حتى لو انهزم من الروم إلى طائفة من