أحدهما: يعني سورة براءة خاصة ليعلم ما في حكم الناقض للعهد وحكم المقيم عليه والسيرة في المشركين
والفرق بينهم وبين المنافقين.
والثاني: يعني جميع القرآن ليهتدى به من ضلاله، ويرجع به عن كفره. {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَامَنَهُ} يعني بعد انقضاء مدة الأمان إن أقام على الشرك {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} فيه تأويلان:
أحدهما: لا يعلمون الرشد من الغي.
والثاني: لا يعلمون استباحة دمائهم عند انقضاء مدة أمانهم فدلت هذه الآية على جواز أمانهم، ودلت عليه السنة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدنة مع قريش بالحديبية سنة ست على أن يأمنوا المسلمين ويأمنهم المسلمون.
فإذا صح بالكتاب والسنة جواز الأمان فهو ضربان: عام وخاص، فأما العام فهو الهدنة التي تعقد أمانة للكافة من المشركين، وهذه لا يجوز أن يتولاها إلا ولاة الأمر، فإن كانت لكافة المشركين في جمع الأقاليم لم يصح عقدها، إلا من الإمام الوالي على جميع المسلمين، وإن كانت لأهل إقليم صح عقدها من الإمام، أو من والي ذلك الإقليم لقيامه فيه مقام الإمام، ولا يصح من غيرهما من المسلمين بحال، وسيأتي الكلام في عقد الهدنة ومدتها.
وأما الأمان الخاص: فهو أن يؤمن من الكفار آحاد لا يتعطل بهم جهاد ناحيتهم كالواحد والعشرة إلى المائة وأمل قافلة، فان كثروا حتى تعطل بهم جهادهم صار عاماً، وهذا الأمان الخاص يجوز أن يعقده الواحد من المسلمين الأحرار البالغين العقلاء، سواء كان مريضاً أو مشروفًا، عالماً كان أو جاهلًا، قوياً كان أو ضعيفًا، لرواية محمد بن مسلمة أن رجلاً من المسلمين أمن كافراً فقال عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد: لا يخير أمانه فقال أبو عبيدة الجراح ليس ذلك لكما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجير على المسلمين بعضهم" فإن أمنته امرأة من المسلمين كان أمانها جائزا كالرجل.
روى محمد بن السائب عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت: قلت يا رسول الله: إني
أجرت حموين لي" وزعم ابن أمي أنه قاتلهما، يعني أخاها علي بن أبي طالب عام الفتح فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".
وروى الزهري عن أنس قال: لما أسر أبو العاص بن الربيع قالت زينب عليها السلام: إني أجرت أبا العاص فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجارت زينب" واحتمل أمان زينب له أمرين:
أحدهما: أن يكون قبل أسره فيكون آمناً بأمانها.
والثاني: أن يكون قد أمنته بعد أسره، فيكون آمناً بإجارة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأمانها