والثالث: أن يكون موضع الأمان مطلقة غير عام، ولا معين فيكون حكمه معتبراً بحال الباذل للأمان ولا يخلو حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون هو الإمام، فيقتضي إطلاق أمانه أن يكون آمنًا في جميع بلاد الإسلام لدخول جميعها في نظره.
والثاني: أن يكون الباذل له وإلى الإقليم، فيكون إطلاق الأمان موجبًا لأمانه في بلاد عمله، ولا يكون له أمان في غيرها من بلاد الإسلام لقصور نظره عليها، فإن عزل عن بعضها لم يزل أمانه منها، وإن قلد غيرها لم يدخل أمانه فيها اعتبارًا بعمله وقت أمانه.
والثالث: أن يكون الباذل له أحد المسلمين، فيكون إطلاق أمانه مقصورًا على البلد الذي يسكنه بازل الأمان، فإن كان مضرًا لم يتجاوز إلى قراه، وإن كان قرية لم يتجاوزها إلى مصيرها اعتبارًا بما يضاف إليه، ويكون طريقه منها إلى دار الحرب داخلًا في أمانه مجتازًا لا مقيماً اعتبارًا بقدر الحاجة.
والفصل الخامس: مدة الأمان وهي مقدرة الأكثر بالشرخ ومقدرة الأقل بالعقد، فأما أكثرها ففيه نص واجتهاد، فأما النص بأربعة أشهر لقول الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أربعة أَشْهُرٍ}.هذا أمان من الله تعالى للمشركين وفي قوله: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} تأويلان:
أحدهما: تصرفوا فيها كيف شئتم.
والثاني: سافروا فيها حيث شئتم، وأما الاجتهاد فلا يجوز أن يبلغ به سنة إلا بجزية إن كان من أهلها، فيصير يبذلها من أهل الذمة، وقيما بين أربعة أشهر وسنة وجهان:
أحدهما: لا يجوز أمانه فيها لمجاوزتها النص كالسنة.
والثاني: يجوز أمانه فيها لقصورها عن مدة الجزية كالنص في الأربعة، فإذا استقر أكثر مدته بالشرع لم يخل حال من الأمان من أن بكون مطلقًا أو مقيداً، فإن كان مطلقا لم يقيل بمدة حمل على أكثر المدة المشروعة نصاً، ولا يحمل على المقدرة اجتهادًا، لأنه لم يتقدر به وقت الأمان حكم مجتهد، فانعقدت على مدة النص دون الاجتهاد وليس له فيما بعدها أمان يمنع الشرع منه، لكن لا ينتقض أمانه إلا بعد إعلامه انقضاء المدة الشرعية، ويجب أن يرد يعدها إلى مأمنه، وإن كان الأمان مقيدًا بمدة فعلى ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقدر بالمدة المشروعة نصًا واجتهادًا، فيجب أن يستوفيها بمقامه، فإن كان أمانه في بلد بعينه جاز أن يستوفي المدة بمقامه فيه، وله بعد انقضائها الأمان في مدة عوده إلى بلده، وإن كان الأمان عاما في بلاد الإسلام كلها انتقض أمانه بمضي المدة، ولم يكن له أمان في قدر مسافة لاتصال دار الإسلام بدار الحرب، فصار ما اتصل بدار الحرب من بلاد أمانه، فلم يحتج إلى مدة مسافة الانتقال منها بخلاف للبلد المعين، ولا يجوز إذا تجاوزها أن يسين حتى يرد إلى مأمنه.